حصاة سعد ..

حميد الربيعي

قبل أشهر كان القاص والروائي سعد محمد رحيم يعاني الأمرين مما هو فيه ، فالمرض يحاصر صدره بعملية قلب كبرى ، لم يكن يمتلك عشر المبلغ المطلوب لأجرائها ، بيد انه يمتلك من السكون والهدوء ما يجعل كل الزوابع تمر .
في قصة قصيرة له باسم ( الحصاة والنهر ) ، نشرت منذ فترة قريبة ، ثمة شخصان يقفان على جرف نهر ، الأول يرمي صنارة وكأنه يصطاد سمكا أو طيور الغاق ، التي تعوم فوق المياه ، الآخر يحمل كيس اسود، فيه فتات خبز، يرميه إلى الطيور و السمك .
المشهد في غاية الهدوء والطمأنينة وكأن الطبيعة تمارس دورتها دون عائق أو خدش غير متوقع ، والمنظر يكشف أيضا أنهما يشتركان في مكونات الحياة التي يعيشان في كنفها ، وهي هنا : النهر ، الطيور ، السمك والمياه ، بالإضافة إلى طبيعة المكان ، الذي يبدو مثل انعطافة لنهر دجلة في منطقة مفتوحة ، والزمان الذي التقيا فيه في ذات صباح ، حين ابتدأت حكاية الصيد .
المشتركات ما بينهما هي ممتلكات عامة ، اعتادت الناس التعامل معها بوصفها بذخ من الطبيعة للإنسان كي ما يوازن وجوده ، هذه المشتركات تبدو أكثر جلاء في المناطق غير مزدحمة ، كالأرياف أو المدن الصغرى .
تبدأ القصة بحوار بين الشخصيتين ، وهو حوار يمثل في طبيعته العامة كشف لكل شخصية ، بيد انه في الآخر يمثل كشفا لاختلاف الرؤيا والمفاهيم ما بين الشخصين ، إزاء ما يقع في ظرف الحياة وطريقة تقبل كل منهما في التكيف والمعيشة ، بالمقابل يبدو الكشف وكأنه اتساع الرؤية و الهوة في المفاهيم ما بينهما .
الحوار في نهايته يبدو وكأن كل منهما كان يحدث نفسه وليس الآخر ، الذي يقابله أو يحاوره ، مما يعني أن اللغة فيما بينهما مقطعة الأوصال وان لا مفردات مشتركة تجمعهما ، فيبدوان من عالمين مختلفين ، في التفاصيل اليومية والحياتية .
القصة ، كما يبدو لي ، تحاول عقد مقارنة بين الحوار المتقطع ، الذي اظهر مقدار هوة الاختلاف وبين المشتركات التي يعيشها كلا الشخصين والتي تجمع فيما بينهما ، لتطرح القصة عند الخاتمة ، ما ابتغاه المؤلف في حكايته وقصته ، عمن سيغلب ، المشتركات أم انغلاق الذات باتجاه الآخر ، وهي من الثيمات الأثيرة والرئيسية التي يتناولها سعد محمد رحيم في كتاباته الفكرية ، خارج أطار السرد ، لكن القصة بحد ذاتها تلقي الضوء عن حالة الهدوء ، التي دائما ما يتمثلها الكاتب نفسه ، وكأن ثمة تحت السطح شخص آخر مناوئ ومختلف في توجهاته، لكنه غير ظاهر. القصة رغم قصر الحكاية ، طرحت رؤاها الممتعة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة