الصورة وأثر الخطاب الإعلامي

تثير الصورة في الميديا وقْعاً نفسيا من الصعب تفسيره، فهي تتجاوز أثر الكلمة، وحتى الفكرة، وحين تدخل هذه الصورة في صياغة قصدية للرأي العام، فإنها ستكون مدعاةً لقراءةٍ يختلط فيها الثقافي والسسيولوجي، مع النفسي، وبما يجعلها أكثر تمثّلا لأهداف صنّاعها، وباتجاه استقطاب المزيد من المريدين، للتأثير على مواقفهم السياسية أو الثقافية، وقناعاتهم أو لتغيير أنماط حياتهم..
صور الشهداء في الميديا وفي وسائل التواصل الاجتماعي باتت جزءا من صراع الأفكار والرسائل، فالعدو الداعشي يعمد الى تصوير ضحاياه بنوع من استعراض التوحش والقوة، مثلما يستقبلها المواطن كصورة تستفز مشاعره وتدفعه نحو السخط والرفض والحزن، وكأنّ هذه الجريمة القصدية تقصده، وتبغي اثارة خوفه وكراهيته..
ثقافة تلقي الصورة، وحتى صناعة اعلانها، ومعرفة جمهورها، وصياغة خطابها، مفاهيم من الصعب تداولها في سوقنا الإعلامي، وحتى الاعلاني، لأنها بعيدة عن التخطيط والتوظيف، والتمكين، حتى اصبحت العديد من الفضائيات التي تتكئ على الخبرات الاجنبية، مجالا حاشدا بمظاهر الانتاج والتصدير، وباتجاه استقبال أعداد متزايدة من المشاهدة، رغم أنّ الكثير من الجمهور يشكّ بمصداقيتها ومهنيتها، وطبيعة الرأسمال الذي يقف وراءها..
الصورة في الميديا تحولت الى رسالة ثقافية، إذ كثيرا ما يوظّفها المحللون السياسيون والباحثون، وحتى أصحاب الأجندات لغرض تحديد موقف معين من القضايا الصراعية، بما فيها صور الحرب والتفجيرات الارهابية، وصور الشهداء والجرحى، وحتى صور الخراب، وربما يعمد البعض الى توظيف بعض تقانات الفوتو شو لغرض اصطناع المزيد من الإثارة أو التشويه الذي يطال الحدث، أو الشخصيات او الجهات الوطنية..
هذه المعطيات تتطلب وعيا بثقافة الصورة، وبضرورة أنْ تدرك المؤسسات الاعلامية العراقية الرسمية والمدينة أهمية التعاطي معها بمهنية وحرفنة، ليس للتأثير على الجمهور المستهدف فقط، بل لصياغة نوع من الرأي العام الجمعي إزاء الكثير من التحديات، والتي يلعب العقل الاعلامي وخطابه دورا مهما في التشويه والتحريف والاثارة، بما فيها وقائع الصراع المدني وتمظهراته الطائفية والاجتماعية..
لقد دأب الإعلام العربي، وخصوصا بعض القنوات المسيسة، واعلام القنوات الأجنداتية على توظيف الصورة في اثارة النعرات، وفي تحويل الصراع مع الارهاب الى ما يشبه الصراع الطائفي، وابتكار العديد من الصور الملفقة والمزيفة، وبما يُعزز الخبر والمعلومة التي تسوّقها بطريقة قصدية مفضوحة..
ثقافة المواجهة تعني حيازة الاليات والامكانات التي من شأنها تنمية مصداقية الخطاب الاعلامي، وتعزيز تمثلات الرأي العام به، فضلا عن ضرورة حيازة الامكانات الفنية واللوجستية، وحتى اختيار المجال واللغة والجمهور لكي تكون الرسالة بخبرها وتقريرها وتحقيقها وصورها مؤثرة الى حدٍ ما، وقادرة على فرض آلية المشاهدة، أو حتى فضح الاعلام المضاد الذي بات يوظَف من قبل القنوات الموجّهة لأغراض الدعاية، ولإحداث الشروخ والارباك عند الجمهور للتأثير على مواقفه ومعنوياته..
حرب العراق مع الارهاب هو المجال الأكثر حيوية في اختبار فعالية الصورة، فما نشاهده من قبل بعض القنوات العربية يتطلب الجدّة والمهارة التمكين لإعادة النظر في الكثير من حيثيات الخطاب الاعلامي الوطني، وعلى ضوء الحاجة الى صناعة اعلام فاعل ومؤثر وقادر على المنافسة، والى توظيف الاعلام بشكل مهين في سياق المعركة الكبرى مع الارهاب ومع العقل الطائفي والعصابي..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة