متى ينكسر الشعر؟!

أسئلة من نوع : من أين يبدأ الشعر و متى ينتهي او يتوقف ، ينكسر و يلوذ بصمته ؟ لا تنطبق على الشعر البلاغي ، الجمالي المحض فهو لا ينكسر و لا ينتهي ابدا لانه غناء مفصول عن معاناة الاشياء التي تحيطه ، عن الواقع الذي يفترض ان يتماهى فيه ومن خلاله ، هذا النوع من الشعر تأريخيا سكن قصور الأمراء و السادة المترفين و إمتدح المعارك دون أن يسأل عن الثكالى و الايتام ، هو رديف خطاب السلطة ، و السلطة هنا ليست القوة او العسكر او المال فحسب بل كل خطاب سائد يوفر الأمان و الطمأنينة للشاعر / المغني ، الشعر الذي ينكسر هو المعني بالانسان وجودا و مصيرا ، المعني بلحظات الضعف التي تنتابه لا بزهو القوة الزائفة و الغاشمة في اغلب الاحيان ، الشعر بهذا الوصف ليس خطابا متعاليا ولا منصة إلقاء ولا سبيل نحو الوظيفة بل هو مرارة كشف و فداحة أسئلة و عمق بصيرة .. عندما يذبل اانسان تتراجع كل الخطابات و تساءل كلماتها عن جدواها ! أسوق هذه المقدمة لأسترجع لحظة ذهولي امام منظر حزمة ( بنات ) لم يبلغن سن السفر في مطار دبي ، قادمات من دولة فقيرة للعمل في احدى دول البترول الغنية ، أقول ( بنات ) ولا أقول ( صبايا ) لان رثاثة أثوابهن و أحذيتهن البلاستيكية و الخوف اللامع في أعيهن من المجهول لا يسمح بوصفهن ( صبايا ) ! كانت تتقدمهن الأكبر سنا لتسأل عن موعد الطيران و البوابة التي تفضي الى الطائرة ، تتحدث بلكنة لا هي بالعربية ولا البنغلاديشية ، لغة فرغ لم أملك إزاءها الا الذهول و الأسف على مصير الانسان الذي سحقته البورصة في عصر المال الشاحب الضمير ، هنا توقفت بوصفي شاعرا بل تراجع الشعر في داخلي الى درجة الصفر ، أحسست اننا نلهو لا غير ، ما الذي يمكن ان نقدمه للعالم ، للفقراء ؟ هل يكفي أن نغنّي لهم ؟ وهل تردّ وحشة الغرباء أغنية نتفنن في تلميع أصداءها ؟ منذ ايام وأنا استرجع هذا المشهد ، أتساءل : ما الذي حلّ بتلك الحزمة من البنات الصغار الحيارى ؟ هل وصلن الى بوابة الطائرة ؟ ثم الى أين ؟ الى بيوت الاثرياء ليعملن في خدمتهم دون ان نعرف ظروف عملهن ! من يضمن أنهن الان على قيد السلامة ؟ و كيف حال ابائهن و أمهاتهن ساعة توديعهن الى المجهول من اجل كسب المال اللازم لحياتهم ؟ هنا يتوقف الشعر إزاء بلاغة الألم ! القدريون يقولون : هذا نصيبهن ! و المغنّون يقولون : هات الكأس لنغفو .. الضمير وحده الذي يعاني أرق السؤال !
جمال جاسم أمين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة