كيف يجب على أوروبا التعامل مع ترامب

فولفجانج إيشنجر
السفير الألماني السابق لدى الولايات المتحدة
تشكل رئاسة دونالد ترامب اختبارًا لأوروبا، وللعلاقات عبر الأطلسي، وبالنسبة للعالم ككل. في الواقع، في نواح كثيرة، تتسم سياسة ترامب «اميركا أولا» بمعارضتها للسياسة الخارجية الأممية للولايات المتحدة المتبعة منذ العقود الثمانية الماضية.
بداية، يقول ترامب إنه يثق بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حد سواء. هل هذا يعني أن الولايات المتحدة ستواصل سياسة تساوي الفرص بين الاتحاد الأوروبي والكرملين؟
وهذا ليس سؤالا زائدا. لقد أوضح ترامب أن تأسيس الشراكات والتحالفات والقواعد والبروتوكولات تعني القليل بالنسبة له. في تغريدة على تويتر، انتقد بشدة وسائل الإعلام، وهاجم قضاة مستقلين، واستهدف الأفراد والشركات، واستخف بالمنظمات الدولية.
ولكن حتى لو كانت الولايات المتحدة تحت ترامب حليفة غير جذابة بالنسبة لأوروبا، فإن التشطيب على الولايات المتحدة كشريك لأوروبا – الذي يرغب البعض في أوروبا القيام به عاجلا وليس آجلا – سيكون من الخطأ.
يتعين على أوروبا ألا تتجاهل أن غالبية الأميركيين لم يصوتوا لترامب. التزام المجتمع المدني الاميركي واستجابة السلطة القضائية الاميركية تظهر للأوروبيين أن الولايات المتحدة التي يعرفونها ويقدرونها ما تزال قائمة. بدلا من الابتعاد عن الولايات المتحدة، يجب التعاون مع الأميركيين الملتزمين بالحفاظ على قيم المجتمع عبر الأطلسي. وهذا يشمل أعضاء الإدارة الجديدة الذين عبروا عن دعمهم الواضح للشراكة عبر الأطلسي والاستمرارية، ناهيك عن معارضي ترامب في الكونغرس – الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
وعلاوة على ذلك، يعتقد أولئك الذين يفضلون قطع العلاقات مع الولايات المتحدة أن هناك شركاء في جميع أنحاء العالم يصطفون للدفاع عن النظام العالمي الليبرالي جنباً إلى جنب مع أوروبا. فمن الممكن أن يتفق الاتحاد الأوروبي مع الصين على أن حقبة جديدة من الحمائية ستكون ضارة. لكن أبعد من ذلك، ليست لديهما أرضية مشتركة تذكر. وعلى المدى الطويل، فإن النظام العالمي الليبرالي سيصمد فقط إذا كان مدعوماً من ركيزتي الشراكة عبر الأطلسي.
وأخيراً، تُعد الدعوة لتصبح أوروبا الثقل الموازن للولايات المتحدة طموحا فقط. في الواقع، لا يوجد مثل هذا الخيار. وعلى المدى القصير والمتوسط لا يمكن للأوروبيين الاستغناء عن ضمان الأمن الذي توفره الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، علينا أن نعمل على إقناع الإدارة الجديدة بأهمية أوروبا الموحدة والآمنة.
ومع ذلك، فإن مجرد التكهنات حول فصل الأمن الأوروبي عن الولايات المتحدة تفسح المجال لعدم اليقين، المنعكس في النقاش الناشئ عن إمكانية قنبلة نووية أوروبية – أو حتى ألمانية. انه نقاش سطحي، لأنه يفترض ما يجب أن يكون موضع تساؤل: هل هو حقا من مصلحة الأوروبيين قطع الحبل السري بنحو استباقي الآن، قبل أن تُقدِم الولايات المتحدة على أي قرارات ملموسة تؤثر علينا بنحو مباشر؟
الخيار الوحيد الجيد بالنسبة لأوروبا هو التعامل مع الإدارة الاميركية بأكبر قدر ممكن – وهذا لا يعني التهوين من شأن التصريحات المقلقة التي أدلى بها ترامب. عند حضور نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الاميركي والنواب مؤتمر الأمن في ميونيخ في نهاية هذا الاسبوع، على مندوبي الاتحاد الأوروبي الإفصاح عن توقعاتهم من الإدارة الاميركية بكل وضوح. الانخراط والتأثير هو نوع من السياسة الواقعية الضرورية الآن، حتى لو كان العديد من الأوروبيين لا يحبذون الفكرة.
وهذا يعني إبلاغهم، بمنتهى الوضوح، إلى أن كسر مستوى المصالح الأوروبية الحيوية من شأنه إحداث أزمة كبيرة عبر الأطلسي. السيناريو الأسوأ بالنسبة لأوروبا هو أن تنتهج الإدارة الاميركية سياسات تهدف إلى تفكك الاتحاد الأوروبي – على سبيل المثال، الدعم الفعال للشعبويين اليمينيين. من المهم أيضا ألا يكون أي اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة على حساب أوروبا. أما بالنسبة للاتفاق النووي مع إيران، فيجب أن تعلم إدارة ترامب أن أوروبا لن تفرض أي عقوبات جديدة على إيران إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق من جانب واحد.
على أوروبا فرض نفسها اقتصادياً أيضاً. إذا أراد ترامب حقاً إدخال نوع من الضرائب على السلع الأجنبية لترويج البضائع المصنوعة في الولايات المتحدة، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يهدد بفعل الشيء نفسه. وسواء كانت المشكلة هي الضرائب على الواردات أو مستقبل العقوبات الغربية ضد روسيا، فإنه من المفيد أن نتذكر حقيقة بسيطة وهي أن أوروبا ما تزال السوق الاميركية الأكثر أهمية. ويفوق حجم التجارة الاميركية مع الاتحاد الأوروبي ب 37 مرة حجم التجارة مع روسيا، إضافة إلى الاستثمارات المباشرة والضخمة المتبادلة بين الشركاء عبر الأطلسي .
وحتى لو رفض ترامب هذه الاعتبارات، فعليه أن يفكر مرتين إلى أي مدى يريد دفع أوروبا. عند نقطة معينة، ربما ستكون الحملات الانتخابية المناهضة لترامب في أوروبا ناجحة جداً. ولن يستطيع تحقيق خططه من دون شركاء أقوياء ووثيقين في أوروبا – وبالتأكيد إذا كان يعمل ضد أوروبا
ولكن، بنحو واضح، يجب على أوروبا التركيز الآن على نفسها. نحن نحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز أمننا. بينما يبدو تغير كبير على الطريق، بما في ذلك زيادة التكامل بين القوات المسلحة في أوروبا، لكن ما يزال الطريق نحو اتحاد الدفاع الأوروبي جد طويل. وعلى ضوء الوضع العالمي غير المستقر، على ألمانيا، بالخصوص، مضاعفة جهودها في مجال السياسة الخارجية والدفاع ومساعدات التنمية.
ولا يمكن تحقيق تماسك الاتحاد الأوروبي والأمن الداخلي والخارجي من دون تكلفة. تجنب العجز في الميزانية، الذي تسعى إليه ا ألمانيا لآن، لن يكون له فائدة للأجيال المقبلة إذا كان الثمن هو تآكل الأساس الرئيسي لازدهارنا: أوروبا آمنة ومزدهرة.
بدلا من الانتظار في خوف التغريدة المقبلة لترامب، ينبغي علينا نحن الأوروبيين وضع الأسس لأوروبا قوية، وقادرة على اتخاذ الإجراءات المطلوبة، وملتزمة بالقيم الغربية. بهذا الموقف، يمكننا التأكيد بكل ثقة على مصالحنا الرئيسة وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة. وهذا هو أفضل رد فعل لأوروبا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة