التظاهرات.. ولادة الإنسان

عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
مرت في 17 كانون الثاني المنصرم الذكرى السادسة لاحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه، والتي اطلقت سلسلة من الثورات والانتفاضات في معظم ان لم نقل جميع البلدان العربية. بعضها استطاع السيطرة عليها، وبعضها الاخر تسبب في تغييرات وحروب ما زلنا نعيش أثارها الى اليوم. لابد ان تدرس هذه الاحداث وتداعياتها وما احدثته من تغيرات جذرية في مسارات المنطقة وتوازناتها. لاشك ان الاستنتاج الاولي سيقول، معززاً بالحقائق، بأن «الربيع العربي» تحول الى كوارث في سوريا وليبيا واليمن ومصر والبحرين، من دون الكلام عن العراق الذي اموره مضطربة منذ فترات اقدم، ومن دون الكلام عن حافات الهاوية التي وصلت اليها اوضاع دول اخرى في منطقتنا. مما يشير ان تداعيات هذه الموجة لم تنته بعد. فهذه مجرد جولة، او دورة. والمقصود هنا هو ليس انتظار عنف متزايد، بل المقصود ان «الربيع العربي» دمر التوازن القديم، ولم يبن بعد توازناً ومنظومات محكمة جديدة.. ولاشك لدينا ان مثل هذه التوازنات والمنظومات ستُبنى. والسؤال متى؟ وكيف؟ وما هي القوى الجديدة؟ وهل سيعجل وعي المسؤولين والنخب والشعب في انجاز هذه المهمة التاريخية، ام ستستمر المخاضات والفوضى والتصادم والتدخلات، التي ستنتهي بالتأكيد، شئناً ام ابينا، بتأسيس مثل هذه المنظومات والتوازنات القلقة او المستقرة، ولكن بعد ان نكون قد قدمنا تضحيات واثماناً، كان بالامكان تلافيها لو اتعظنا بدروس التاريخ، وبتجارب غيرنا، وحكمنا عقلنا ووعينا ومصالحنا الحقيقية. وللفائدة وبعد مرور 6 سنوات، نعيد نشر افتتاحية كتبت بالعنوان اعلاه بتاريخ 26/2/2011 وهذا نصها:
«هل هي ثورة جياع؟ ام اجندات اجنبية؟ ما هي كلمة السر ومن اين اتى الوعي الجمعي هذا؟ كيف تتخلى الدول الكبرى عن حلفائها؟ ولماذا تقف وسائل الاعلام ضد مموليها؟ والجيوش ضد انظمتها؟.
هل ستندلع ثورة كلما حرق شاب نفسه؟. وهل سيسقط نظام كلما اعتصم متظاهرون في ساحة تحرير؟؟. بالطبع لا. انه يحصل الان لاننا تأخرنا عن احقاق ما تحقق من خير لدى غيرنا. فما نشهده هو لحظة تاريخية تتراكم فيها كل عوامل التغيير لتتفجر في وقت محدد. فالتاريخ لا تصنعه قوى مجهولة، بل حقيقية قوامها الانسان وهمومه وحقوقه ومظالمه وضياع الامل وملايين ملايين العناصر المتحركة ظاهراً وباطناً لتتفاعل وتظهر عوامل تمردها او رضاها في زمان ومكان محدد.. والزمان الان.. والمكان منطقتنا.
مررنا خلال قرن واكثر بمرحلتين هما التحرر الوطني، بعد الحرب العالمية الاولى.. والدولة القومية الثورية واللاثورية، بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد عقود من التضحيات والصخب، خرجت شعوبنا بنتيجة واضحة هي بقاء اشكال الاسر وضياع فلسطين، وضياع الحقوق الفردية والعامة وارتفاع معدلات الفقر والتخلف والقمع والموت والهجرة وتلاشي الاحلام وضياع آمال الحياة واللحاق بالامم المتقدمة.
لم نر في التظاهرات شعارات ايديولوجية او وطنية عامة.. القاسم المشترك هو حق الانسان الذي بضياعه ضاعت المرحلتان ومطالبها.. وستضيع بدونه مشروعية اي نظام اشتراكي ام ليبرالي ام اسلامي ام قومي.. فالشعارات الفضفاضة ستسقط ان لم ترتبط بالحياة اليومية ومصاديقها. فالانسان عندنا لن يقبل بعد اليوم استلاباً شاملا او جزئياً لحقوقه. فالمسألة ليست الجوع او القمع فقط بل اساسها الحقوق، كل الحقوق. اننا امام حركة اقليمية، باثار عالمية شبيهة بالحركة العالمية لالغاء العبودية وحقوق الانسان وانهيار الكتلة الاشتراكية او الانظمة الفاسدة في اوروبا وآسيا واميركا لبناء انظمة يحترم فيها المواطن قبل المسؤول، وتخدم الدولة الشعب قبل ان يخدمها، ويحاسبها المواطن قبل ان تحاسبه.. دولة تتمتع بنظام ديمقراطي تداولي يؤمن بحقوق الانسان كل الحقوق وكل انسان.
دخلت منطقتنا -وعراقنا- في مقطع تاريخي سنعيش ارهاصاته لسنوات. ستحصل امور مقلقة.. وستسقط رؤوس وتعلو اخرى.. لكنها مخاضات ولادة. العراق –قبل غيره- فتح الطريق ولو بعملية قيصرية وباشكالات كثيرة.. مرحلة جديدة لن تبقي قديماً لا يستطيع العيش والتكيف.. وسيفرض نفسه الجديد الذي يلبي حقوق مواطنينا، ولو بطرق مختلفة.
املنا ان لا نسقط مجدداً في الشعارات والخداع والانجازات الكاذبة ودولة الامتيازات وننسى المواطن وحقوقه الاساسية، فيرتد العراق، ويخسر تضحياته وسبقه التاريخي والفرصة العظيمة المعروضة امامه وامام منطقته.»

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة