جورج أمادوا..

قيل عنه مايسترو الرواية البرازيلية والأب الروحي للواقعية السحرية ، انه واحد من عمالقة الرواية على مستوى الكتابة أو الانتشار ، إذ ترجمت رواياته إلى 35 لغة .
قيض لي أن ألفته عبر روايته الأكثر شهرة ، في مطلع السبعينات ، (كونكان الذي مات مرتين ) ، وهي الرواية الوحيدة وقتها المترجمة له ، فرسخ الاسم في ذاكرتي ، خاصة وأننا بتلك المرحلة نجد القليل من الترجمة عن كتابات أمريكا اللاتينية ، ولم تشتهر بعد ما سمي لاحقا ب « الواقعية السحرية « ، ولم تكن الأسماء الشهيرة لأدب أمريكا اللاتينية معروفة حينها .
حصلت في منتصف الثمانينيات على ترجمة عوني الديري لروايته المشهورة ( تريزا باتيستا ) والتي تقع في 480 صفحة ، من الحرف الصغير الناعم مما يجعلها لان تتجاوز 600 صفحة من القطع المتوسط ، بحجم الحرف المريح للقراءة .
الرواية تستحق هذه الإطالة والإطلالة ، لكونها ملحمة الشعب في باهي ، المنطقة التي ولد وعاش فيها جورج امادوا وهي المناطق الوسطى من البرازيل التي تعج بالنماذج الحية من البشر ومن مختلف الطبقات ، خاصة الطبقة المسحوقة بفعل النخاسة أو نظام الرق ، الذي كان شائعا في بدايات القرن العشرين ، حيث تقوم الشركات الكبرى هنالك بنهب للثروات المنطقة وتسخير الناس لقاء أجور زهيدة .
تريزا فتاة غانية من تلك المرحلة ، شكلها بلون النحاس وصلدة مثل الفضة وشهوانية لحد عدم الشبع ، تحاول أن تجد مكانا لها في عالم مسحوق ومهان ، لكنها تتخذ جانب قوة الشخصية في رسم معالم حياتها ، فتشق طريقها وسـط تلاطم أمواج عاتية ، كانت تضرب المجتمع هنالـك.
الرواية ملحمة بشرية تمتزج فيها الشاعرية بالتناقضات الاجتماعية ، الواقع بالخيال الذي يحلق فيعيد رسم صورة مرارة المتناقضات ، نجد أدق التفاصيل – الضرورية – التي رافقت صعود نجم تريزا باتيستا ، من امرأة من العامة إلى تلك المكانة البارزة في الواقع ، اعتمادا على شخصيتها واتخاذها جانب الخير في مساعدة الناس ، مما جعلها في مواجهة دائمية مع الشركات الكبرى العاملة بنظام الاستغلال المادي والجسـدي للبشر .
أتيح لي أعادة قراءتها هذه الأيام فسألت نفسي : لو قيض لي أن اكتب هذه الرواية فهل سأفعل ؟ ، قطعا لا ، لأنها تدخل في تشعبات الحياة اليومية للشخصيات وتبحث في الأصول لتلك التصرفات أو كيفية منبعها ومسارها وتطورها ، أنها رواية التفاصيل اليومية للأشخاص و للحياة ، وهذا ما لا أطيقه في الكتابة ، مع أني من اشد المعجبين بالرواية ، من الثمانينيات ولحد الآن .
قال عنها الأستاذ احمد خلف ، حين صدورها ، :
« أنها التكوين الذي تصوره فيدياس البرازيل ، جورج امادو ، على شكل رواية ، تتوزع بمنهجية واقعية حرة تماما ، تمتزج فيها المعرفة الجادة بفرح لغوي شفاف».
حميد الربيعي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة