المدينة.. يحرسها عشاقها لتكون ملاذهم ووجودهم الأبدي

سوّرت بمحبتهم وتعاضدهم
بغداد – وداد ابراهيم :

بين هندسة البناء وجمالية العمارة تبقى المدن المعشوق الاكبر لسكانها، وبرغم كل ما يحدث وكل ما تتعرض له من احداث وحوادث، فهي التي تحقق للإنسان الاستقرار الاجتماعي والراحة النفسية والطمأنينة الروحية والمتعة السكنية، فالمدن مسورة بمحبة سكانها وتعاضدهم، قد نزعم ببناء مدننا بنحو يحاكي طموحاتنا وأحلامنا، الا انها تأسست لتكون ملاذنا ومكاننا ووجودنا الابدي والأبنية لا تقام الا حين يكون هناك فراغاً لتكون المدن مثلماً يحبها سكانها من دون ان تتمدد خارج جغرافية بصرنا، لتكون المدينة المشيئة المطلقة والدرس المستقر الذي لابد من حدوثه، وعلينا ان ندرك ان أي ثغرة يكون علينا ان نتوقع شيئاً ما. لذا فما علينا الا ان نكون حراساً لمدننا بقدر حبنا وعشقنا لها.
تنوع غريب لمدن العراق فبين المدن السياحية (السياحة بأنواعها) سياحة دينية مثل مدينة النجف وكربلاء التي فتحت ابوابها لملايين السياح ومن شتى دول العالم، لتخرج هذه المدن الى رحاب المدن العالمية وهي تحافظ على لونها وعمرانها وبيئتها واصولها، حبها وعشقها لكل تفاصيل المدينة من الاضرحة والمراقد والازقة والمساجد، وعلينا ان نعلن انها احيطت بمحبة سكانها وعشقهم لأرضهم مما جعلها امنة مستقرة.
السيدة ام عبد الرضا: قالت ولدت في مدينة النجف ولم اغادرها يومًا الى أي مدينة فأجدها تتسع لكل احلامنا وطموحتنا وتسوعب افراحنا وأحزاننا وهكذا عائلتي حتى اني لم افكر يوماً في زيارة أي مدينة أخرى ,إضافة الى انها مدينة الاباء والأجداد بل اجد ان من الصعب ان يلجأ الانسان الى تغيير مكان سكنه من مدينة الى أخرى الا لظروف ما مثلا حين تتزوج الفتاة من رجل يسكن في مدينة أخرى ,وهذا قليل ما يحدث في عائلتنا.كما ان النجف اضافة الى مكانتها الدينية العظيمة فهي ملونة بألوان زاهية من السياح والاسواق والازقة كما انها تحاكي التطور بسرعة من خلال الجامعات والمؤسسات التي تنشأ الآن.
نازحة من مدينة سنجار قالت: اينما نكون نحمل معنا لون المدينة ورائحة ازقتها وتقاليد اهلها نتفاعل مع المكان الذي نعيش فيه وفي روحنا عبق المدينة التي كنا فيها ويهزنا بقوة الحنين الى مدننا، وحين تتوقف مع أي نازح ان كان في بغداد او اربيل او أي مكان فلا يريد اكثر من ان يعود الى مدينته، حتى لو كانت ارض خالية وقاحلة، هذه المدن وهكذا نعشقها وحلمنا واملنا في الحياة العودة اليها، ذاكرتي معبأة بذكريات سنجار، الاهل والأقارب والاصدقاء، الازقة البيوت كلها صور ومشاهد تحاصر ذاكرتي وتطاردني في احلامي.
وتستطرد ام غزوان حديثها عن مدينة سنجار وتقول: نعم بغداد جميلة ووجدنا الكرم والطيبة من اهلها لكن انا في انتظار العودة الى سنجار والى جيراني من الطائفة اليزيدية وغيرهم.
السيدة ام ميسر قالت اصعب ما واجهته في حياتي حين دخل داعش الكيارة واستبيحت مدينتي فكنت ابكي بحرقة والم وانا اجد ان مدينتي تتدمر بالرغم من ان ابنائي نزحوا الى كركوك وبغداد، كنت اعيش وكأن بيتي هو من استباحه الاوباش، فكان تحريرها فرحة لاتوصف شعرت بأني استرجعت بيتي، وعرفت بحق ان حب المدن لانتعلمه في المدارس او من الاهل انما حب مكتسب من الفطرة ولايمكن ان نضع مقياس لمدى او كمية هذا الحب الا انه يتجاوز حدود النفس, لذا فهي عندي اغلى من كل المدن واجملها وهي زهرة جميلة من زهور العراق العظيم.
السيدة ام عمار قالت: لم اغادر مدينتي العمارة الا حين تزوجت من مهندس كان يعمل هناك وتركت مدينتي لاعيش في بغداد لكني حملت معي كل عادات وتقاليد تلك المدينة، عشت سنوات في بغداد لكن لم تغادر ذاكرتي مدرستي والمحلة التي عشت فيها، وكنت اتوجس من الذهاب الى هناك في السنوات الاولى لزواجي كي لا اعود الى العمارة واترك بيت الزوجية.وكثيراً ما كنت اجد ان مدينتي لها حضورها التاريخي والاجتماعي المتجذر رسوخاً في ارضية الاصالة والممتد الى مشارف الزمن القادم, فأجدها الابهى والاجمل والانقى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة