د.جاسم حسين الخالدي
مع بداية كل مربد ونهايته، تتعالى أصوات الانتقاد وتصيّد الهفوات، وقد يصلُ الأمرُ أحياناً إلى الهجوم على اللجنة المنظمة واتحاد الأدباء والكتاب في العراق من أدباءٍ في داخل البلاد وخارجها. فمن لم يدع فانه يشن حربا لا هوادة على المهرجان والمشاركين في آن معاً، يصل إلى الإساءة إلى الأسماء المدعوة، وينسى ان الدعوة لأي مهرجان لا تصنع شاعراً، او ترفع شانه، كما لا تعني أن من يدعى هو شاعر مهم، لاشكَّ في ان من يختار الاسماء لابد ان يكون عارفا ومطلعا على المشهد الشعري، ولا ضير من أن يستعين بآخرين لتحديد الأسماء المهمة في الوسط الثقافي.
ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، وجرى بأريحية كبيرة، فلا اعتقد أنه يسلم من النقد، لأننا لا يمكن أن نجمع على أهمية الاسماء الابداعية.والإحاطة بهم، ولاسيما أن هناك عدداً محدداً لا يمكن تجاوزه، ومع ذلك فانَّ مربد هذا العام تجاوز كثيراً من الهفوات السابقة، على صعيد النقل والسكن والضيافة، فضلاً عن الجلسات الشعرية التي تباينت بين القصائد الجياد، وقصائد اقل جودة، وهذا أمر لا يعود للجنة المنظمة، وانما القصيدة الجيدة هي هوية شاعرها، والعكس صحيح، ومن ثم هو من يتحمل سوء تقديره لما يلقي وكذلك الأمر بالنسبة للجلسات النقدية، فلا احد ينكر اهمية المحاور المطروحة؛ إذ قُدمت ابحاثٌ مهمة rلامست الابداع الشعري والنقدي العراقي والعربي.
كما أن من المهم جدا، التثنية على تسمية هذه الدورة باسم الشاعر مهدي محمد علي(1945-2011م)؛ فكثير من المتابعين للمشهد الأدبي لم يعرفوا شيئاً عن هذا الشاعر الذي غادر العراق منذ ما يقارب من أربعة عقود حتى وفاته؛ ولذلك كان هذا المهرجان فرصة للتعريف بهذا الشاعر عبر محور نقدي خصص له.
ومن المهم الاشارة الى ميزة اخرى لمربد هذا العام هو الاحتفاء بالناقد العراقي شجاع العاني، الذي يعد واحدا من اهم النقاد السرديين ليس في العراق بل في العالم العربي، ولاسيما أن المربد قد شهد صدور كتابين للناقد وزعهما الناشر على الحاضرين.
إنَّ المهرجاناتِ هي- دائما -فرصةٌ طيبةٌ للقاء المبدعين وتبادل اصدارتهم الشعرية والسردية والنقدية، فضلاً عن الجلسات التي تعقد على هامش المهرجان؛ فهي بالتأكيد اضافة مهمة لكل مهرجان.
ان ما قامت به البصرة ممثلة باتحاد الأدباء فيها، وحكومتها المحلية، ووزارة الثقافة شيء كبير في ظلِّ الظروف السياسية والأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها بلادُنا؛ إذ إنَّ كثيراً من الأنشطة الثقافية توقفت في بعض من المحافظات، كمهرجان الكميت مثلاً؛ فانعقاد المربد هذا العام، وبهذا الحضور الكثيف عراقياً وعربيا، يؤشر مدى اهميته بالنسبة لمحافظة البصرة وللمشهد الثقافي العراقي. وهو أمر يمكن تلمسه في الحضور الشبابي الكثيف من أهالي البصرة في هذا العام؛ اذ اكتظت قاعة الفراهيدي في فندق الشيراتون على طول ايام انعقاده بهم، وهو ما جعلنا نقترح على الحكومة المحلية ووزارة الثقافة التفكير جداً بإنشاء مركز ثقافي كبير يستوعب فعاليات المهرجان الشعرية والنقدية والفنية، ويبعد اللجنة المنظمة عن الحرج الذي وجدت نفسها به، وهي ترى الأعداد الكبيرة تبقى خارج القاعة لحظة انطلاق فعالياته.
وبعد نتمنى الجهات الراعية لهذا المربد، ان تعطي لاتحاد البصرة المساحة الكافية في التصرف بأمور الضيافة وما يتعلق بإقامة الوفود؛ إذ إنّ تعددت الجهات وغياب المركزية جعل الاصدقاء في اتحاد أدباء البصرة في حرجٍ في غير مرة. مبارك للبصرة مربدها، ومبارك لنا هذا الحراك الثقافي.