لمقولة بيرس الفرنسي ( لا تأريخ الا تاريخ الروح ) صدى خاص بل هي تفتح لنا طيفا واسعا من التأويلات التي تخدم و تصب في فكرة الشعر كما انها تخدم بنفس الدرجة أطاريح الميتافيزيقيا القائمة على إنعاش الروح مقابل إذلال الجسد او تطويعه وتشذيب رغباته بدعوى دنس هذه الرغبات و طهرانية المنحى الروحي للأشياء ، ما يهمنا بالضبط صلة الشعر بالروح ، بالغامض البعيد الذي لا ندركه فنبتكر له المزيد من الاسماء و الاوصاف من قبيل الالهام او الوحي الشعري بحسب تعبيرات القدامى ، تعبيرات يعاد انتاجها بلغة حديثة احيانا و مناسبة القول ما كتبه صديقنا الشاعر حسن النواب على صفحته في شبكة التواصل ( الشعر روح .. روح ) ولا يخفى ان تكرار كلمة ( روح ) تشديد و تأكيد على المعنى الذي يريده صديقنا الشاعر ، بالطبع لن نختلف كثيرا لكن من الممكن ان نتداول في الفكرة خاصة واني اسعى الى فحص المقولات و تفكيكها كي لا تتحول الى شعار جامد جمود الايدلوجيا .. هل الشعر روح ؟
هذا المنحى وحده يذهب بنا نحو تكريس نوع من الفطرية او العفوية التي يحتاجها الشعر بالتأكيد لكنه يقصي في الوقت نفسه أهمية الوعي المحايث للروح الشعرية او ما ندعوه بثقافة الشاعر ، خبرته و دربته و تحصيله ، الكثيرون مع الروح ، الروح وحدها و لهم شواهد و أدلة .. لم يكن الشاعر الفرنسي العظيم ( رامبو ) الا صبيا ! لا فضاء له سوى فطرته الشعرية و روحه الهائمة التواقة و الحالمة بلا هوادة و هناك لائحة طويلة من الشعراء الذين أبدعوا مبكرين قبل سن الوعي و الثقافة ، لا غبار على هذا الكلام لكن ينبغي ان نتذكر بأن الروح دفقة ، وهج له أمد لا يستمر طويلا الا بمعرفة سبل إدامته و من هنا تنشأ الحاجة الى الوعي و الثقافة باعتبارهما مغذيين لإدامة الروح و استمرار تدفقها ، علينا ان لا ننسى ايضا بان ( رامبو ) مثالنا السابق توقف عن الشعر مبكرا ايضا ! الا يفسر لنا هذا التوقف حدسنا بان الروح دفقة ؟ بالطبع لا نريد ان نجزم او نعمم انما هي مداولة و رؤية مفادها ان الروح وحدها تمد الشعر بما يحتاج لكنها كالأرض تحتاج السماد الذي يطيل عمر خصوبتها .. الشعر في نظرنا كيمياء ، روح و جسد ، عقل و جنون ، عبث و معنى ، نسب تتداخل و تتفاوت ، الشعر لا نهائي ، لا مستقر ، عذوبته في لا نهائيته ، الروح نعم لكن للجسد افكاره ايضا ، شعريته ، ولا احد بإمكانه ان يفصل او يقرر بشكل جازم .
جمال جاسم أمين
حديث الروح ..
التعليقات مغلقة