أمير الحلو
من القضايا المثيرة للجدل(حتى الموت)تاريخيا هي الحظ والقدر،وهل هما موجودان أم مجرد(شماعة)يعلق عليها الانسان اخطاءه واخفاقاته.
شاهدت برنامجاً تلفزيونياً على أحدى المحطات العراقية في الخارج تناول هذا الموضوع باستضافته لاستاذ عراقي متخصص ودكتورة سورية في علم النفس وقد أراح الاستاذ العراقي نفسه والمشاهدين منذ البداية باعادة كل شيء الى الدين واستعانته بكل جواب على حادثة وقعت قبل اكثر من الف سنة،وبذلك جنب نفسه (مخاطر)البحث والدراسة والتطور الذي شهدته البشرية،في حين كانت الدكتورة السورية تتحدث من خلال الواقع وتعاملها مع الناس في عيادتها الخاصة،فوجدت ان محاولة رمي كل الامور على الحظ والقدر هي عملية هرب من الواقع وضرورة العمل على تغييره لصالح الانسان ذاتياً او مجتمعياً .
كانت من الكتابات التي(تعجبني) تلك التي تكتب على السيارات، غير كلمة(الوكيحة)،عبارة تقول(لا تفكر،لها مدبر)،وهي دعوة حرة ومجانية لمصادرة العقل والتفكير على أساس ان الامور في الحياة تسير بميكانيكية موجودة مسبقاً وبالتالي فلا ضرورة للتفكير لان ما هو (مكتوب) للانسان سيحصل مهما كانت محاولاته للتغيير .ولست هنا في موضع المناقشة المستفيضة لهذا الموضوع الجدلي الذي راح ضحيته مفكرون وكتاب وفلاسفة عبر التاريخ،ولكني أود ان أشير الى ان الانسان ابن المجتمع والبيئة والتربية،وبالتالي فانه يستطيع ان يرسم مستقبله بنفسه وان يتغلب على المصاعب من دون رميها على القدر انسجاماً مع المقولة الخاطئة(المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين)،فلا شيءمكتوب على جبين أي انسان منذ لحظة ولادته ولكنه يبدأ رحلة الالف ميل بخطوة الولادة،ولا نستطيع هنا ان ننكر دور الظروف العائلية والمجتمع وغيرها في التأثير على شخصيته و(حظه)،ولكن الكثير من العباقرة والعلماء والمثقفين قد خرجوا من بيئة صعبة قد(لاتبشر)بظهور امثالهم من خلالها،فقد(تمردوا)على واقعهم وتجاوزوا الصعاب لتخطي كل المعوقات المادية والتربوية والبيئية التي قد تقف حجر عقبة امام تقدمهم في مجالاتهم ،وصنعوا لهم (عوالم)خاصة تعتمد على العقل اولاً،فلا شيء يأتي من وهم اسمه(القدر المقدّر)،بل كل شيء هو من صنع الانسان نفسه والقدر هو طريق يرسمه بنفسه وهو محفوف بالامل والخيبات في آن واحد،ولا يمكن القول ان الحظ او القدر هو الذي صنع ذلك
لاشك ان هناك الكثير من الناس لهم رأيهم المخالف والمدعوم بقصص واقعية تؤكد ان الحظ هو الذي جعل من فلان غنياً او سعيداً او مرموقاً ،في حين ان ما سببه القدر لفلان من مصاعب وويلات هو الذي أدى الى شقائه وعدم تقدمه ،ولا استطيع ان انكر وجود مثل هذه القصص وقد تكون قد وقعت معي ايضا سياسياً وثقافياً ووظيفياً وعائلياً،ولكني ومن خلال تجربتي الخاصة وصلت الى نتيجة تقول ان الامور تسير على وفق (اجتهاد) الانسان ذاته ومدى قدرته على تطويع الصعاب او الرضوخ لها،كما ان نظرية(اليوتوبيا)لا يمكن تحقيقها بخلق المجتمع المثالي الذي يساوي بين كل ابنائه في جميع المجالات،فلابد من وجود تفاوت،ولكن العمل الانساني التقدمي والموضوعي هو الذي يبحث عن وسائل تقليل هذا التفاوت حتى لا تكون الطبقية الكبيرة هي الطاغية على الاوضاع الاجتماعية .
قد تكون عبارة ان(الحذر غلب القدر)صحيحة في حالة الحديث عن ضرورة عدم المغامرة والمخاطرة وانتهاج الاسلوب الانساني والسلوك الاخلاقي في الحياة،ولكن جعل كل الامور سببها الحظ والقدر،فانها محاولة للتهرب من التفكير والعمل الجاد من اجل بناء الحياة على أسس علمية،وان نجعل من دورنا فيها حالة ايجابية تسهم في تقدمها .
ولنترك (الندب) والنوح للكسالى والمتكلين،ولنجعل العقل بديلا حقيقياً عن الحظ والقضاء والقدر.