د. علي شمخي
العراق دولة بكل مفاصلها احوج ماتكون اليوم لمراجعة الذات ….وقد تعلمت الامم والشعوب ان البناء لايكتمل ولاينجح الابالمراجعة والمحاسبة والتقويم وتشخيص نقاط الفشل والاخفاق ..وان تجربة بناء الديمقراطية في العراق لم يتسنَّ لها يوما أي منعطف تستطيع معرفة حركتها ووقفها ومدى صواب منهجها في هذا الطريق ..لقد افرزت الاحداث الاخيرة في الملف الامني والعسكري جملة من الحقائق في مقدمتها ان العراقيين اليوم بحاجة الى مراجعة الذات …فما حصل ليس شيئاً بسيطاً وماحصل كشف عن خواء كبير ومساحة واسعة في الابتعاد عن تحصين الجيش العراقي والقوى الامنية العراقية والدولة افراداً ومؤسسات ضد اساليب الحرب النفسية والدعائية وغياب أي إستراتيجية وطنية لحفظ الامن .. فالمؤسسة الحكومية العراقية برغم انها تضم في جنباتها وزارات ودوائر للامن الوطني والاستخبارات والمخابرات وغيرها من المسميات الرسمية الا ان فعالية حضورها وتأثيرها لم تظهر ملامحه في هذا الانهيار العسكري والامني وكان من الفترض ان يكون دور هذه المؤسسات دوراً وقائياً يتعقب المعلومة ويطارد حركة الارهاب مهما كانت درجة تخفيه ..وهذا بالتحديد مايحتاجه العراق اليوم ..ان بناء الجيوش في الدول المتقدمة لايعني فقط البناء العددي او الكمي بل البناء النوعي وهناك اليوم من الدول الصغيرة من تملك جيوشاً لايتعدى تعدادها بضعة الاف الا انها عصية على الاختراق بفعل خبراتها المتراكمة وبفعل ماتملكه من وسائل لوجستية حديثة وبفعل تمسكها بعقائدها العسكرية والوطنية وترسخ مفاهيم التضحية في سبيل الاوطان في نفوس مقاتليها .
ومن هنا ننطلق في حديثنا عن مراجعة الذات وندفع بسؤال جوهري مفاده هل تم بناء الجيش العراقي بعد التغيير على وفق عقيدة عسكرية مؤمنة بمستقبل العراق الجديد ..؟؟ ولعل الجواب على ذلك سيكون مفعماً بالحزن والاسى فارقام المبالغ التي تم تخصيصها في موزانات الحكومات المتعاقبة وقيمة الصفقات التي ابرمتها الحكومة العراقية مع عدد من الدول تفوق ماتم صرفه وتخصيصه لجيوش مماثلة في بلدان المنطقة …وكان ينبغي على القائمين على المؤسسة العسكرية بما فيها اللجان المختصة في السلطتين التنفيذية والتشريعية ان تولي الاهتمام بتوظيف هذه الاموال في بناء جيش عراقي عقائدي يليق بتجربة بناء العراق الجديد الذي يستطيع حماية سيادته ..مثلما كان من الصحيح ان تستثمر حكومة السيد نوري المالكي وجود اتفاقية الامن الأستراتيجي مع الولايات المتحدة الاميركية باكمل صورة لا ان تنتظر حصول الاختراقات والانهيارات وتهديد الامن الوطني لتطلب تفعيل هذه الاتفاقية .
لقد اظهرت الانكسارات المتتالية والاخفاقات في هذا الملف مدى تردي مفاصل التدريب العسكري في صفوف القوات المسلحة مثلما اظهرت افتقار القدرات اللوجستية الاستخباراتية لمواجهة اية اخطار محدقة بالعراق وسيادته وامنه ..وحتى لاتتكرر تجربة (الخديعة والمؤامرة ) التي تحدث عنها السيد رئيس الوزراء لابد من اعادة بناء الذات في المؤسسة العسكرية والامنية في العراق بما يجعل الجيش العراقي قادرا على مواجهة اية اخطار محدقة بالعراق وطناً وشعباً وفي مقدمة ذلك تعزيز القدرات النفسية والمعنوية لافراد المؤسسة العسكرية والامنية بما يجعلها قادرة على مواجهة اية مخططات سياسية تستهدف اضعاف روحها وعزيمتها وترسيخ معاني الايمان والفداء والتضحية في قلوب ونفوس المنضوين في هاتين المؤسستين والاصرار على اعتماد آلية صحيحة في اختيارهم بعيداً عن التأثيرات الحزبية والرسمية والعشائرية والاستفادة من دروس مامضى بكل مشاهد التجربة العراقية…!!