علوان السلمان
النص الشعري إيقاع الحياة عبر صور منصهرة في نسيج من الالفاظ البعيدة عن التقعر والضبابية .. يخلقها كيان انساني بمشاعره واحاسيسه وشاعريته.. محاولا استعادة الواقع عبر فضاء تخييلي يتكئ على انزياحات جملية من القول والبناء.. باعتماد الذات(الانا) والموضوع (الذات الجمعي الآخر) الـ (نحن)..كونهما يشكلان الفعل الشعري الذي يبتعد عن احادية المعنى ويمتلكا ناصية التأويل..لخلق صور كاشفة للكون الانساني بالغوص وراء المعاني والصور واستخدام الايهام الشعري
بتطويع اللغة…
.. وباستحضار المجموعة الشعرية التي انتجت عوالمها النصية انامل منتجها الشاعر انمار مردان وأسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/2024..كونها تحاول استكشاف دواخل النفس في رؤية متعددة الزوايا لتضيف ذائقة جمالية يتخطى الحسي الى أفق الرؤيا ابتداءً من الاهداء النص الموازي الذي أسهم في الكشف والاعلان عن المضامين النصية (لأجلك فقط تركت اصدقاء السوء اولهم راسي) ص5.. باقترانه والايقونة العنوانية المفتاح الاجرائي للتعامل مع النص في بعديه الدلالي والرمزي.. إضافة الى منح النص هويته وتحقيق دوره الاستثاري والايحائي..كونه بؤرة الاثارة التي تعلن هيمنتها على النص عبر دلالتين متداخلتين:اولهما اشارية مرتبطة بالذات الشاعرة.. وثانيهما تجريدية مرتبطة بفضائها من خلال تجريد الاشياء من شيئيتها بدرامية منولوجية تسهم في نسج عوالمها بخيوط الوجد..
نعرف جيدا
متى تجلس الحياة على مؤخرتها
ومتى تستنشق ما تبقى من الريح
ومتى تأكل السماء نجومها حين تصحو
وحين نكون فريسة..
نقود الا جوبة من عنقها
كي نليق بهذا الشذوذ الوقتي /ص8
فالنص يعبر عن لحظة انفعالية درامية تتكئ على حقول دلالية وتقنيات سردية و جمالية للتعبير عن الذات والذات الاخر، ابتداءً من المستهل (نعرف جيدا..).. عبر ضمير المتكلمين(نعرف نحن..) الذي منح النص دلالة مزدوجة تتمثل في الفعل والحركة.. فضلا عن المحافظة على النسق الجمالي والحكائي الشعري من حيث التركيب اللغوي والتكثيف الدلالي والايقاع الداخلي النابض بالحياة.. المنبعث من بين ثنايا الألفاظ. إضافة الى توظيف المنتج لبعض التقنيات الفنية والاسلوبية كالتكرار بصفته ظاهرة ايقاعية لإشباع المعنى واضفاء موسقة مضافة على جسد النص.. فضلا عن تحقيقه بواعث نفسية وايحائية تكشف عنها لغة موحية بتراكيبها اللفظية التي تعتمد لغة يومية جاذبة من اجل اضفاء جمال فنيّ وثراءً دلاليّ وإيقاعي.. وهناك الاستفهام المحرك للذاكرة من اجل ايجاد جواب يسهم في توسيع مديات النص الشعري..كونه وسيلة من وسائل اتساع المعنى وإثرائه ، وتنويع الأفكار والصور والمواقف، فجاء الاستفهام في نص المنتج وهو يحمل معان ودلالات أغنت النص بالحوار والصور مع اضفاء روح التشويق والإثارة لمعرفة الإجابات من جهة ,ومن جهة أخرى تجسيد عمق التجربة وبراعة التعبير.. إضافة الى استعمال المنتج اسلوب التركيز والتكثيف مستعينا بالإشارة العامية (نرمي لها نقود أفواهنا (الله ينطيج) وننصهر ص9..والتي يجعل منها جسرا الى اعتماد الاسلوب الاشاري لتحميله بالهم المعاش والفكرة التي يقصدها..
كل شيء في المقبرة على ما يرام،
النوم المبكر,النجوم الباردة, الغبار المالح,الكلاب السائبة, الديدان, لسانك المقطوع هناك, لهذا عليك ان تزيل السائل المنوي من جثث الجنود, خوفا من انتصاب
القبور…. / ص44
حين التقط صورة تذكارية مع صوتها
يفترس فراشي قط ابيض
بمخالب خالية من العويل……..
نصف عام
وانا اتجول في شعرها
عسى أن أجد منفذا للخروج / ص47
فالنص كون يتلبد افقه المنتج بإشارات مكثفة رامزة ترتكز على انزياحات الصورة المنفتحة على فضاءاتها البنائية فتؤثث مساحتها ببنية تتكئ على مشاهد حركية متصارعة في وجودها الذاتي والموضوعي..فضلا عن ان النص يتصف بالحسية والانفعالية والمجازية الصورية ..لذا فهو (لغة داخل لغة)على حد تعبير بول فاليري.. فهو المتخيل الابداعي نتيجة ثنائية الخلق والتشكيل حيث يقتحم عوالم مفعمة بالرؤى.. فيغدو خلق وتوليد لمتخيلات من جهة ورؤى ومواقف من جهة أخرى.. اذ فيه تتجاوز اللغة فتعبر عن مساحات انفعالية يتجلى فيها الابداع.. كون التجربة الشعرية عند المنتج محفز عقلاني للغوص في اعماق الروح الانسانية ومعالجة اليومي من خلال النص الشعري الذي هو جواز عبور المنتج صوب المستحيل بتجاوز الواقع واعادة خلقه ابداعيا من خلال الانزياحات الدلالية التي تسمح بالابتعاد عن الاستعمال المألوف للألفاظ وخوض غمار الاسئلة من اجل ايقاد شرارة الفكر.. وشحذ الذاكرة الجمعية لتحقيق الوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالإنسان عبر منظور واع للتجربة التي هي مغامرة الشاعر لحظة امتلاكه الوعي واتقاد وجدانه من اجل اختراق الآفاق الزمكانية بصيغة دينامية متجاوزة للمألوف ومستنطقة للقيم الجمالية التي تحقق فعلها الوجودي..
يا صاحب الرؤيا
الموت جريدة يومية
نقرؤها عند الصباح
نتناول فطورنا عند آخر ضجة ترابية
تشنها مقبرة السلام / ص68
فالنص يقوم على اساس جمالي قوامه اللمحة الفكرية التي تكشف عن حالة نفسية تعاني وحدتها فتتأمل وجودها القائم على المتضادات وتشكيلاتها في بناء عوالمه الشعرية بلغة تشكل وسيلة تبليغ وغاية في حد ذاتها والتي يعمل الشاعر على تفجير قدرتها الايحائية والانزياحية كي يكشف عن وظيفتها الجمالية..اضافة الى توظيفه اسلوب النداء (الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان الشاعر تراكما كثيفا مترابط الوحدات وهو يعتمد النمو الزمني ..)إذ فيه تتوافد الصور من القلب وتتراكم فوق بعضها والشاعر يوقظها من سباتها لينسجها بعقلانية فكرية مشوبة بالخيال..
وبذلك قدم المنتج نصوصا كشفت عن قدرته في توظيف الطاقة اللغوية في الترميز وشحن الفاظه بدلالات غير مألوفة من اجل التحليق في افق الصورة الشعرية .. اضافة الى توظيفه الفنون الحسية والبصرية والمكانية لخلق عوالمه الشعرية فهو يوظف سيميائية التنقيط التي تحيل الى علامة من علامات الترقيم(دلالة الحذف) التي تشكل(نصا صامتا تتعطل فيه دلالة القول)..والتي تضفي بعدا تشكيليا وتفتح باب التأويل فتستدعي المتلقي لفك مغاليق النص واسهامه في ملأ فراغاته(لا تهجع النهايات في بوصلتي/ لذا سأبتلع العاصفة قبل وقوعها………..) ص41..وهناك تقنية التقطيع الكلمي الذي يعني تعطيل القدرة التواصلية للغة..(والرحلة رغم قصر عنقها/ كانت في عيون الآخرين طووووووويلة ) ص65..اضافة الى توظيفه الانشودة الحربية لإدانة الحرب..
(احنه مشينه مشينه للحرب)
واسفاه كان عليك ان تغني
(احنه مشينه مشينه للذبح) ص33..
أنمار مردان