تُعد «الامثال» الشعبية إحدى الأجناس الأدبية والثقافية الموجودة في المجتمعات والأكثر تداولاً بين أفرادها بغض النظر عن مستوياتهم الثقافية والطبقية والعمرية. فقد كانت «الامثال» ومازالت حاضرةً بيننا نستشهد بها ونعود إليها في المناسبات و»الكبوات» والمواقف.. بهدف إيجاد المقارنة الموضوعية بين الأحداث والوقائع والتصرفات والسلوكيات وكيفية التعاطي معها من أجلِ تقويمها وتقييمها والارتقاءِ بالأداءِ المجتمعي عِبرَ الاستفادةِ من الدروس والأمثال السابقة وأخذ المواعِظِ والعِبرِ مِنها .. وكما قيل «أبو المثل ماخله شي ماكاله»!
عند تعرضنا لمواجهةٍ أو تصرف أو حدثٍ ما أو ظرفٍ أو ماشابه ذلك. فإننا نفتح بوابة الذاكرة لنختار من مخزونها الثر الشئ الكثير من القصصِ والأحداثِ والأمثال ونتداولها فيما بيننا على اعتبارِ أنها دروسٌ مجانية تتيح لنا الاستفادة من تجارب الآخرين وتجنبنا الوقوع في المحظور أو في مشاكل أو عقد أو مطبات أو الاخفاق في تحقيق الهدف المنشود. ولعل الكتب السماوية كانت الرائدة والسباقة في تحذير الانسان من الوقوع في المحظور بسبب الاندفاع أو التهور أو التسرع أو الغفلة من دون الاستفادة من تجارب الأيام والسنوات والعقود الماضية.. لهذا تم تحذير الانسان في أكثر من موضعِ ومكان من الإقدامِ على أمرٍ ما دون الرجوع إلى تجاربِ الأولين.. و العِبْرَةُ هنا: تعني الاتِّعاظُ والاعتبارُ بما مضَى كما في قوله تعالى « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ» والعبرة تعني أيضاً : دَرْسٌ ، عِظَةٌ ، اِتِّعَاظٌ ، والاِعْتِبَارُ بِمَا حَدَث ومضى وجمع «عبرة»: عِبَر.
وبعد التمحيص والتدقيق والبحث في تاريخ المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي وحتى الرياضي نستطيع القول وبثقة بأننا من الشعوب التي لاتستفاد من تجاربها السابقة ولاتأخذ «العبرة» ولاتكلف نفسها حتى بمراجعة «دفتر» أو سجل حساباتها ونشاطاتها اليومية أو فعالياتها السابقة التي تهدف إلى الخروج من المأزقِ بِسلام وأمان أوالتوصل إلى نتائج تؤدي الى فهم اسبابِ تِكرارِ الإخفاقات وعدم اتخاذ القرارات أوالمواقف الصائبة والاصرار على «سلك» طريق الخيارات الخاطئة القاتلة التي تؤدي إلى نتائج كارثية.. وهذا ليس أكتشافاً مِنا أو براءة اختراعٍ جديدة.. لكن حرصنا الشديد في الكثير من الأحيان وحبنا لبلدنا وخوفنا عليه يدفعنا دائماً إلى إيجادِ التبريراتِ والأعذار والحجج لحالاتِ الخلل والإخفاق والتراجع والتهاون والتردد والإحباط والهزيمة والتشظي والصِراع والخِلافات والتخبط والفشل.. وإن تراكم كل هذه الاشياء جعل مجتمعنا يتقدم وبسرعة إلى الوراء وفق نظرية «التقدم التراجعي»!
وعلى الرغم من تأكيد الكتب السماوية والتاريخية والفلسفية والثقافية وكتب الأمثال الشعبية ومنها كتاب «كليلة ودمنة» و»مجمع الأمثال الشعبية».. أضافة الى ما عشناه سابقا ونتعايش معه في وقتنا الحاضر.. إلا أن مواطنيننا ظلوا يؤمنون بالامثال الشعبية.. ومنها الذي يقول «خلي ياكلون ماطول خالهم طيب» و المثل الذي يقول «أصبر على الحصرم تاكله عنب» و»المثل يقول «اللي ما يعرف تدابيره حنطته تاكل شعيره «والمثل « جدره على ناره وعينه على جاره « والمثل «الحجارة اللي ما تعجبك تفشخك»!!
وأخيراً نقول بأننا على الرغم من ترديد المثل الشهير»الباب اللي تجيك منه ريح سده واستريح الا أننا فشلنا في أن «نسد الباب» ونستريح.. ولم نستطع منع الريح السوداء من تدمير أشيائنا الجميلة، كذلك لم نستطع حتى منع «الحجارة» التي لم تعجبنا من فج رأس الوطن بجرح كبير لم يندمل الى الآن!
ضوء
يُصدرون لنا القتل والموت والدمار.. لينعموا هم بالأمان والاستقرار وطول العمر!
عاصم جهاد