افرزت حقبة التغيير في العراق والانتقال من النظام الشمولي الى النظام التعددي ثقافات متناقضة ومرتبكة لم تتسق جميعها او تنصهر مع الفعاليات التي نظمتها جمعيات ومؤسسات كانت تعنى بتثبيت اسس الديمقراطية واستهدفت في نشاطاتها تعميق روح التغيير في العراق والدفاع عن الحريات العامة واشاعة ثقافة الرأي والرأي الاخر وخلافا لدول اخرى اجتمعت عناوين الافراد في مجتمعاتها على كلمة سواء واجتهدت في اختصار الجهد والزمن من اجل ان تكون مواقفها تحت عنوان جمعي وبارادة شعبية ونجحت في صنع اطار واحد لحراكها الجماهيري ونجحت ايضا في ازالة الحواجز والفوارق التي كانت تعوق تحركاتها او تسهم في اجتزاء خطابها وافتراق اهدافها ولربما كانت ثورات التغيير في اوروبا الشرقية مثالا قريبا وحيا لمثل هذا الحراك الذي صنع عهدا جديدا لشعوب عانت على مدى عقود من الزمن من الهيمنة الشمولية والحكم الديكتاتوري وتبعيتها لقطب واحد هو الاتحاد السوفيتي السابق والمتتبع لاحداث التغيير في هذه البلدان سيجد ان الشعور الجمعي كان طاغيا على مظاهر الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات التي كانت تجتاح المانيا الشرقية ورومانيا وهنغاريا وبولندا وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا ودول اخرى امنت بان مستقبلها مرهون بالاستجابة لتطلعات جيل جديد وعى وادرك المعاني الحقيقية للحرية من دون خوف ومن دون الالتفات لمخاطر الوصول الى هذه الحرية وفي العالم العربي ثمة مثال قريب لهذه الارادة الجمعية تتمثل بما حققه المصريون في غضون عام واحد عندما تداركوا سريعا انحراف النظام السياسي في بلادهم ونزوع السلطة فيه نحو الهيمنة والتطرف واختطاف النتائج التي تمخضت عنها الثورة الشعبية المصرية الاولى ضد نظام حسني مبارك وتوظيفها لصالح تنظيم واحد جاءت به صناديق الاقتراع في غفلة من الزمن وسط انقسام اجتماعي وفي ظروف استثنائية الا ان الارادة الشعبية عادت مرة اخرى وصححت المسار بحراك جمعي لم يستثن عنوانا مصريا تداعى فيه بائع الفول والمقاول ومشايخ الدين وبائعات الهوى والشعراء والفنانون والسياسيون والرياضيون ليعلنوا بمشهد واحد عن مطلب واحد هو رحيل من لايمثلهم ومن تسبب بخذلانهم ..اليوم يعاني العراق من التعثر والارتباك في تحقيق التغيير المنشود واصلاح المسار ووضع نهاية للخراب والتهميش والفساد والانحراف واذا اردنا البحث عن الاسباب الرئيسة لهذا التعثر ولهذه المعاناة سنجد ان ابرزها يتمثل بغياب الشعور الجمعي والارادة الجمعية في الوصول الى الاصلاح واصرار الكثير من العناوين في بنية المجتمع العراقي على النأي عن المشاركة في مسيرات الاحتجاج والرفض وتخليها من دون مرؤة عن اقرانها من طبقات الفقراء والمهمشين والكادحين وفي طليعتهم ملايين الشباب الذين خرجوا بعفوية مخيرين لا مسيرين ولا مسيسين ولا متحزبين ينشدون الحياة الكريمة ويطالبون بابسط الحقوق ويعلنون بصوت واضح بان عهدا جديدا في العراق لابد ان ينطلق بانطلاق تظاهراتهم.
د. علي شمخي
الفردي والجمعي !
التعليقات مغلقة