عبد الغفار العطوي
صندوق باندورا في الميثولوجيا الاغريقية هو عبارة عن صندوق حمل فيه كل مآسي الدنيا و مصائبها و افراحها ، و حينما فتحته باندورا خرجت اولا كل الشقاءات و بقيت الافراح ، لهذا الصقت الشرور بهذا الصندوق ، و من ثمة تعلق العنت بالمرأة عموما ، و بعقلها و جسدها ، و كتبت الآلهة عليها الكدح و المذمة ، و لعل المرأة ـ الانثى صدقت هذه الكذبة فروجت لها ، و صارت تسف عقوباتها مرارة و حقدا و غلا ، تأكل من بقايا عمرها جسدا و روحا ، و ارتبط الجسد الانثوي بعقدة باندورا و لعنتها الشيطانية و حظ النسوة العاثر خاصة في ما يلاقين من نصب و حنق الرجل ، في كتاب( تاريخ الجسد اوربا من العصر الحجري القديم الى المستقبل ) يضع جون روب و اوليفر ج – ت هاريس(2) حلا من هذه الحلول التي تعنون الشر في جسد المرأة ، فثمة اجساد لها تاريخ (3) لكن يمكن للمرء ان يواجه اجسادا مختلفة من خلال السفر عبر الزمان و المكان ابدا ليس الى مستقبل قريب بل الى ماض غريب ايضا ، و تسري فيها القدرة الجمالية التي من الممكن تصويرها كقيد من قيود التلازم بين الشر و الجسد ، من خلال استرداد القباحة على أنها ردة فعل مستعجلة من القبيح على مقبوحيته ، و لأن التاريخ لا يأتي إلا وفق شرط الآخر ، فهناك الأنا التي تأتي بالسرد ، صورة الأنا في العالم ، كي نفهم ما الإجراء الذي إتبعته رجاء الربيعي في تعميم الحظوظ على نسوتها من صندوق باندورا ، ففي السرد نختلق صورتنا صورة الانا في العالم الانا التي تقدم نفسها عبر سلوكها و فعلها (4)
1 – طرحت رجاء الربيعي في قصصها وجوها نسوية متنوعة (33) قصة لكنها تشترك في نسق الحظ الذي يؤشر على عدم الموفقية ، و تعالج بالعتبات النصية ما ارادت سرده فيها ،فإذا ارادت النساء من الرجال ان يعرفوهن ، حق المعرفة ، ينبغي ان يعلموهم بعضا من المعارف العميقة (5) فعتبة الغلاف لستار كاووش كانت معبرة عن روح القلق ( القلق الملون بالوجوه المبتسمة بفتور ) أدت الغرض في الحكم المسبق على إن تلك الوجوه أقنعة ، تخفي نسوة رجاء الربيعي ( كوميديا سوداء ) خلفها ، و زادت مقدمة (أسس التماسك في النص) للأديب جاسم عاصي كعتبة في تعميق الفوضى ، فرغبت ان تفتح طلسم باندورا في (مزق ملونة ) كنموذج لاستباحة شفرات حظوظ نسوة الربيعي ، لنجد العتبة الواضحة في نهاية الكتاب قد كشفت المستور و انجلت مزاعم الكاتبة في انها تحاول ترميم عالمها كامرأة لا تختلف عن بنات جنسها في إخراج الافراح النائمة في صندوق باندورا و تنرد الفشل الى العلاقة القلقة بين المرأة و الرجل بين تجارب الكاتبة و تجارب النسوة المنفرطات في الواقع ، لكنهن الملتزمات بشدة المعاناة و ضراوة الحياة، و العنوانات تشهد على الجد في حملهن ، و الإقرار بتبعات مصائرهن في هذا العالم الذي لا يغفر للنسوة غربتهن النوائب و افشلتهن الرغائب، و لم تفطن الكاتبة في إنها قد ادخلتهن في ورطة
2 – استخدمت القاصة هنا بعض سمات السرد النسوي ، كان ضمير ( الانا ) واضحا ، و الرسائل التعبيرية في مونولوجات طويلة تتوزع بين قطبي السرد المرأة – الانثى الراوية ، و الرجل – المذكر المروي له ، و بينهما تتقاطع المونولوجات خافتة ، و تبدو نسوتها قليلات الحظ مدججات بالخيبة امام رجال منقادين لمصائر مجهولة ، من ( مزق ملونة )حد ( مرساة مكسورة ) و بعدها القصص القصيرة جدا ، و ان اعتمدت الكاتبة على المونواوج المخفي السريع الذي تجيده النسوة في كل العالم ( الثرثرة )فإنه قد قيدت عوالمها المتناثرة في شقاءات النسوة بأفق واحد هو المرأة – الرجل و تعالقهما في صراع إثبات الهوية المهيمنة ، او فكرة المغالبة الضارية التي تعمل في هدم النصوص و ابتكار مونولوج واحد طويل في مشهدية تقتلع حدود النصوص ، و ان كان الخلل بيناً ، فالرغبة لدى الكاتبة الوصول الى خطاب يعبر عن الاعتراف المحدد في عتبة الاعتراف ان تتمنى ان تحظى المرأة العراقية بمكانتها و دورها السائد في المجتمع
إحالات
1- وجوه ملونة قصص قصيرة رجاء الربيعي الناشر دار ميزوبو تاميا للطباعة و النشر و التوزيع الطبعة الاولى 2018
2- تاريخ الجسد اوربا في العصر الحجري القديم الى المستقبل جون روب و اوليفر ج- ت هاريس ترجمة جمال شرف الرافدين لبنان 2018 ص5
3- المصدر نفسه ص 21
4- السرد ينكل بالتاريخ رتابة السيرة و انتهاك الواقع سعد محمد رحيم دار نينوى دمشق الطبعة الاولى 2017 ص 97
5- نساء يركضن مع الذئاب الاتصال بقوى المرأة الوحشية كلاريسا بنكولا ترجمة مصطفى محمود دار الحداثة للنشر و التوزيع 2011 ص 145