يبدو اننا دخلنا موسم الانتخابات قبل اوانه، فالحديث عن اسماء المرشحين للرقم الاول في ادارة الحكومة المقبلة وانباء التحالفات والكتل وشراء الاصوات مع الحديث عن التأجيل اصبحت متداولة في المحافل سوية مع الجهود الحثيثة لصناعة دعاة ومحرضين ومهرجين وموالين يتولون ترويج الاسماء والكتل والخيارات.
ان موسم الانتخابات مثل اي موسم للبيع والشراء، يختلط فيه الغث بالسمين. المنطق بالخرافة. الصراحة ومخاطبة العقول بالضجيج والاستعراضات والاكاذيب، ويحدث فيه ما لا يحدث في غيره، وهو بالمعنى الأرشيفي زمن عارض، يحلّ ويتكرر في نظام من المتواليات التي تدخل في التقاويم مع طائفة من الصور والمفارقات كنتائج طبيعية لمنطق الربح والخسارة. انه قد يداهم «السوق» في غير استئذان او من غير اوان، فلم تلتقطه عيون الرصد ولم تتوقعه حواس المحاذير، وفي الغالب تعبر عواصف الدعاية بعد ان تترك اثارا مؤسفة على الارض، أو تترك بصمات نافعة وعميقة لا تنسى، بالرغم من ان الموسم الذي نعنيه (الانتخابات) يقع تحت الانضباط، إذ يجرى تعيين موعده وسياقاته واستحقاقاته، ليعطي للمعنيين فرصة الاستعداد واختبار وسائل المعركة والعراك.
وتشاء «امراض» الانتخابات السابقة ان تتكرر امامنا هذه الايام بالصوت والصورة: استباق المعركة بالدعاية السوقية، ومن ابرز أعراضها تهافت وانحطاط وتغييرالولاءات وبيعها والمتاجرة بها، حتى يقال في تعليقات كثيرة انه موسم التكسب الحرام، والغريب ان جيلا جديدا من مرتزقة التنافسات والولاءات ظهر هذه الايام في استباق ملحوظ لانتخابات العام 2018 مع تغيير «شعارات» الدعاية بالحديث عن الدولة الدستورية والمدنية والعبور من فوق الطوائف والمكونات، وثمة الكثير من المهرجين يطرحون انفسهم للبيع، وآخرين باعوا واستلموا العربون، وغيرهم ليسوا على عجلة من امرهم، والبعض يتمرن على سبل وفنون تسويق الوجوه التي اينعت وحان قطافها، لكن اللافت هذه المرة ان ينخرط الشعر والزجل في الردح المبكر للسباق الانتخابي، ويقال ان «أسعار» شعراء الدعاية ارتفع في السوق طبقا لمعادلات العرض والطلب.
الولاء للزعامات والخيارات السياسية لا غبار عليه من زاوية حق الاعتقاد والرأي المكفول، فالكثير منا يوالي خيارا أو زعيماً يجد فيهما وجهة ملهمة واتجاها راجحا، أو تعبيرا عن مصلحته وعقيدته ومستقبله، وقد يفرض الولاء على صاحبه، إن كان اخلاقيا وقائما على القناعة، ان يضحي بماله او راحته، او حتى حياته عن طيب خاطر من أجل الوليّ والقضية التي يتبناها، وصفحات التاريخ مليئة باسماء موالين سقطوا وراء مصلحين، او ثوريين، او مكافحين من اجل الحرية، فكانوا شهداء تقتفي الاجيال بمأثرتهم، تمييزا عن اولئك الذين حولوا ولاءاتهم وضمائرهم الى سلعة وخرقة مسح.
الولاءات، الى ذلك، نزعة ضاربة في المجتمعات منذ فجر التاريخ، وفي تاريخنا المكتوب ثمة خزين هائل من الامثلة عن الموالاة وحكاياتها وتقلباتها، وقد نجد في الشعر الكثير منها، أذكر من بينها ما جاء على لسان شاعر قديم قوله :
ويوم سمين ويوم هزيــل…ويوم امرّ من الحنظلة
ويوم ابيت جليس الملوك …ويوم انام على مزبلــة
عبدالمنعم الأعسم
دعاية.. ودعاة
التعليقات مغلقة