فراج أبو الليل
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تجلس وهي مطمئنه على جانبي ذلك الكوبري، النيل والليل يملكه العشاق، أما الكوبري يملك الجميع، تأوي إليه العذراوات والمطلقات، يلقون بالأزهار الملونة على قلبه لعله يرضى. تدهسهم السيارات بالعجلات الثقيلة، يطلبون الرحمة، يلقون باللوم على غلاء الشقق السكنية على ضفتيه، يحفرون أسماءهم ويهمسون له بأمنية الزواج.
استيقظت مفزوعاً على اتصالات متكررة في منتصف الليل
ألو: أستاذة نهاد مع حضرتك يا متر
بادرتها بالترحيب والسؤال عن ذلك الأمر الطارئ فى الوقت المتأخر.
قالت : أنا محجوزة في قسم شرطة الجيزة.
س : لماذا قتلتيه ؟ .. بمجرد رؤيتها لي انهارت من البكاء وسقطت على الأرض مغشياً عليها..
كانت تحبه أو ربما هو الذي عشقها، لا أعلم ما الذي يعجبه فيها فهي ليست شقراء أو ذات عيون خضر، قصيرة القامة قمحاوية اللون ولكنها تمتلك تلك التضاريس الأنثوية النافرة للخارج وربما ميوعة كلامها مثيراً في نفس الوقت.
أعلم لماذا رضيت به ببساطة، منصبه الرفيع ذو النسر والدبابير المثبتة على كتفيه العريضتين، وربما تلك المركبة الضخمة كسفينة الصحراء والتي تدك المرتفعات والمنخفضات بسهولة.
سندت رأسها على طرف الكرسي، تنهدت بحرقة وهي تنظر لسقف الحجرة، تسربت الذكريات من فمها، أنت لا تدري معنى أن تتأخر في الزواج، لا تدري لسعات النظرات الشامتة أو نظرات العطف من المحيطين، زميلاتي كن لا يتحدثن معي عن أولادهن خوفاً من الحسد أو خوف من أن تجرحني فرحتهن بالأمومة.
رفضت الكثير، كنت أنتظره ربما ليس كما أردت ولكن كنت أنتظر الربيع والشباب الفائر، لم أكن أتخيل تلك العيون المتهدلة الجفون أو ذاك الكرش المنتفخ، تزوجت أختي الصغيرة ثم أختي الأصغر ، قالت والدتي لماذا رفضتيه؟ ، كنت اتمنَّع ، اتدلَّل ، تلك الجبال المرتفعة التي حملتها على صدري جعلتني متكبَّرة فى أوقات كثيرة ، مر عام ثم عام ثم أعوام، وما زلت أنتظره ، تلتهمني عيون الشباب الجائعة ، يزداد إصراري بأنه قادم.
رأيته هائماً مهموماً، لا أخفي عنك سراً بأننا كنا نتقابل يوم الخميس من كل أسبوع، كانت ليلة شديدة الحرارة من شهر يوليو، حاولت بعض الأمواج البسيطة أن تهدي القليل من الهواء الرطب، عندما اقتحم خلوتي مع نهر النيل، قائلاً: ليل الأحِبَّة ممدودة حباله، لا تقلقي، ضحكت ، توقفت سيارته الضخمة.
لماذا تأخرت، ابتسم معتذراً، نأكل ذرة مشوية أم بطاطا ، ربما العصير البارد مناسباً للجو الحار ، القى شاب عابر ببعض الكلمات ضحكت ثم تأسفت ، الكلمة الرقيقة تسري في القلب بلا رسول .. قال : كفى ، دعينا نرجع الى البيت.
كان حلماً مفزعاً، كلما فكرت فيه أخاف من الزواج، جره من قدميه وهو يصرخ دعني أعيش لدي أطفال صغار. لم يرحمه ألقى به في النهر، الشاهدان على تلك الفعلة الشنعاء هما أسدا قصر النيل. كانت آخر كلماته: إني أحبها رغما عني، بعدها سمعت صرخات المياه حين أرتطم بها.
حاولت الوقوف مستندة على عكازين، تنهدت ما زلت أكرر ذلك اللقاء منذ قابلته أول مرة، نامت على الكرسي، أتت الممرضة تبكي وتتأسف، الأستاذة نهاد هي من جرت للشارع واختفت بعدها بعيداً عن دار المسنين.