طالب عمران المعموري
نتائج الساعات الأخيرة:
حصلت لبيت (مسرور) مناسبتان، الأولى عرس ابن عمه “وليد” والأخرى عودة خالهم “إسماعيل” من الحج وستكون الدعوة على الطعام في اليوم نفسه ” يوم الخميس”.
اجتمعت العائلة مساء بعد صلاة العشاء، قرر الأولاد وبعد مناقشات مطولة أن يذهبوا مع والدهم إلى بيت عمهم، فالعرس يوم واحد وينتهي كل شيء
أما الحاج فمن الممكن أن يذهبوا في أي يوم. صفق الأولاد فرحا بكسب القضية من الجولة الأولى للتصويت.
ثارت الأم وفقدت أعصابها بسبب موقف الأولاد وتركتهم لتدخل غرفتها وتنام.
بقي الأولاد يضحكون ويمرحون ويتناقشون مع والدهم، ماذا يلبسون غدا؟ ومتى يذهبون لقرية بيت عمهم؟ بعدها ذهب الجميع للنوم وهم ينتظرون الصباح بفارغ الصبر،
ليستيقظ الجميع على قرارات مفاجئة!!! والأمر انقلب رأسا على عقب!!! تظاهر الأب بالمرض وهو يتوجع تصنعًا!!! وأمهم داخل المطبخ تدندن بصوت فيروزي فرحة، نسم علينا الهوى من مفرق الوادي!!! وبعدها
اجتمعوا حول مائدة الإفطار؛ ليعتذر والدهم عن الذهاب للعرس فحالته الصحية ليست على ما يرام…. فهو يعاني من زكام
وطلب منهم أن يرافقوا أمهم إلى بيت خالهم الحاج إسماعيل.
حزن الأولاد وانسحبوا إلى غرفهم، وبصوت فيه عبرات ونهيج ( ميمونة ) الأخت الصغيرة للأولاد تسأل أخاها الكبير ( مسعود ):
لماذا يا أخي مسعود غيَّر والدنا رأيه بهذه العجالة؟!
مسعود_ يا ميمونة، إنها اجتماعات الساعات الأخيرة في الغرف المظلمة وخلف الستار، فهناك مطالب وتنازلت من شأنها أن تغير النتائج المتفق عليها مسبقا دون النظر لمصالح المواطنين.
أخيرا خسر الأولاد الرهان وظفرت الأم في الجولة الأخيرة وخرج الأب من اللعبة بتكريم سمين، صوت السيارة في الباب تنتظرهم لتقلهم لبيت الحاج إسماعيل، ركبوا السيارة وهم يتحسرون… ليصرخ مسعود داخل السيارة بصوت عال، ما أخذ الآراء عندنا إلا لعبة وأكذوبة روجها الكبار علينا لتحقيق مصالحهم الشخصية.
النص يتميز بأسلوب بسيط وسلس، يوصل الفكرة بشكل واضح دون تعقيد، كما يستخدم الحوارات والمواقف اليومية لإيصال رسالة أعمق حول التلاعب بالقرارات والسلطة داخل الأسرة، والتي يمكن إسقاطها على سياقات أوسع مثل السياسة وإدارة المجتمعات.
مدى قدرة الكاتب في إيصال الفكرة بوضوح:
استخدام قصة يومية مألوفة: الكاتب يختار موقفًا شائعًا (اتخاذ قرار بشأن حضور مناسبتين) ليبني عليه فكرة أوسع عن التلاعب بالقرارات.
تصعيد الأحداث بشكل تدريجي: يبدأ النص بقرار الأولاد ثم انقلابه لاحقًا، مما يجعل القارئ يتابع التطورات بشغف.
إسقاط سياسي واضح: الحوار الأخير لمسعود يجعل الفكرة الرئيسية للنص أكثر وضوحًا، حيث يربط بين ما حدث داخل الأسرة وما يحدث في السياسة.
الطابع الساخر: يجعل الرسالة أكثر قوة وتأثيرًا، خاصةً في تصوير الأب وكأنه خرج “بتكريم سمين” من اللعبة.
البساطة في الطرح لغة مباشرة وسهلة الفهم، لا يوجد تعقيد لغوي أو جمل متكلفة.
استخدام الحوار بشكل طبيعي: الحوارات تبدو حقيقية وتعكس شخصيات المتحدثين.
إيقاع سريع بدون إطالة: الأحداث تتطور بسرعة، مما يجعل القراءة ممتعة.
البناء الفني للنص
العنوان ودلالته
العنوان “نتائج الساعات الأخيرة” يحمل دلالة مزدوجة، حيث يشير إلى القرارات التي تتخذ في اللحظات الأخيرة، مما يخلق ترقبًا عند القارئ. كما أنه يعكس مفهوم المساومات والتغيرات المفاجئة، وهو ما يتضح لاحقًا في النص.
الحبكة (الهيكل السردي):
المقدمة: يبدأ النص بعرض واضح للموقف الرئيس: حدثان مهمان في نفس اليوم، وقرار العائلة حول أيهما سيحضرون. هذه المقدمة مباشرة وتمهد للصراع.
التطور: الصراع بين الأم والأولاد حول القرار، ثم اتخاذ الأولاد قرارهم عبر تصويت داخلي.
التحول المفاجئ: انقلاب القرار في الصباح بعد تلاعب الأب بالأحداث، مما يغير مسار القصة ويشكل عنصر المفاجأة.
الخاتمة: تعبير ساخر عن الخداع والتلاعب في اتخاذ القرارات، حيث يصرخ مسعود معبرًا عن خيبة الأمل، مما يعزز الرسالة النهائية للنص.
الشخصيات ودورها في السرد
الأب: الشخصية الرمادية، يظهر وكأنه محايد في البداية، لكنه يمارس التلاعب في الخلفية لصالح الأم.
الأم: العنصر المضاد، تعارض قرار الأولاد لكنها لا تواجههم مباشرة، بل يبدو أنها استخدمت نفوذها على الأب لتغيير القرار.
الأولاد: يمثلون الفئة المتأثرة بالقرارات العائلية، خاصة مسعود الذي يلعب دور الراوي الواعي باللعبة.
ميمونة: ترمز إلى البراءة والاستغراب، وهي التي تطرح التساؤلات البريئة التي تعكس دهشة المتلقي.
مسعود: الصوت الواعي الذي يعلق على الأحداث بذكاء، وهو من يحمل الفكرة الفلسفية للنص في النهاية.
الأسلوب السردي
السرد بأسلوب مشهدي: يعتمد على تصوير المواقف كما لو كانت مشاهد سينمائية، مما يجعل النص حيويًا وسهل التخيّل.
الجمل القصيرة والسريعة: تعطي إحساسًا بالحركة والتوتر في بعض المواضع، خاصة عند تحول القرار صباحًا.
السخرية والتلميح السياسي: يظهر هذا بوضوح في الحوار الأخير لمسعود، مما يجعل النص يتجاوز كونه قصة عائلية بسيطة ليصبح إسقاطًا على مفاهيم أوسع مثل السياسة والسلطة.
عنصر المفاجأة والتشويق
القرار الأول للأولاد يوهم القارئ أن القصة انتهت، لكن التلاعب في الصباح يخلق صدمة مفاجئة.
الأب يتظاهر بالمرض، والأم تغني بسعادة، مما يخلق تناقضًا ساخرًا يزيد من التأثير الدرامي.
الحوار الأخير لمسعود يجعل القارئ يعيد التفكير في الأحداث برؤية أوسع.
الرمزية والإسقاط السياسي.
العرس والحج: رمزية لخيارات ظاهرها منطقي لكن خلفها صراعات نفوذ.
الأب المتلاعب: السلطة التي تغير القرارات وفق المصالح الخفية.
مسعود وتعليقه الأخير: وعي الجيل الجديد بالخداع السياسي والاجتماعي.
الاجتماعات في الغرف المظلمة: دلالة على الصفقات السياسية التي تغير نتائج الانتخابات أو القرارات المهمة.
توظيف عنصر المفارقة في النص
المفارقة هي التناقض بين التوقعات والواقع، وقد استُخدمت بمهارة في هذا النص لإضفاء طابع ساخر وتسليط الضوء على التلاعب في اتخاذ القرارات.
المفارقة في النص تنتمي إلى المفارقة الدرامية والمفارقة الساخرة، مع عناصر من المفارقة situational irony التي تنشأ من تناقض التوقعات مع الواقع. لنفصلها أكثر:
1. المفارقة الدرامية (Dramatic Irony)
تحدث عندما يكون القارئ على دراية بشيء لا تعرفه الشخصيات، مما يخلق توترًا وسخرية ضمنية.
القارئ يدرك أن هناك احتمالًا لتدخل الأم، لكنه لا يتوقع أن يكون الأب هو من سينفذ ذلك بهذه الطريقة المتلاعبة.
الأولاد يظنون أنهم “انتصروا” في التصويت، بينما القارئ يشك في أن القصة لم تنتهِ بعد، خاصة مع غضب الأم الصامت.
عندما يستيقظون على القرار الجديد، يكون القارئ قد توقع حدوث مفاجأة لكن ليس بهذه الصورة الساخرة.
أثر المفارقة الدرامية: تجعل القارئ يشعر وكأنه يراقب مشهدًا مسرحيًا يعرف نهايته المخادعة قبل الشخصيات، مما يزيد من التوتر والتشويق.
2. المفارقة الساخرة
وهي التي تحمل نقدًا مبطنًا وسخرية من موقف أو ظاهرة معينة.
الحوار الأخير لمسعود هو مثال واضح على المفارقة الساخرة، حيث يقارن بين التلاعب الأسري والتلاعب السياسي، مما يعطي بُعدًا أوسع للقصة.
طريقة إعلان الأب عن مرضه المفاجئ، مقابل سعادة الأم وهي تدندن، هو مشهد ساخر يعكس كيف يمكن للسلطة أن تُمارس بشكل هزلي لكنه مؤثر.
فكرة أن الأب “خرج بتكريم سمين”، رغم أنه لعب دورًا متلاعبًا، تسخر من كيفية تكريم بعض الشخصيات في الحياة السياسية رغم تلاعبها بالقرارات.
أثر المفارقة الساخرة: يجعل النص ليس فقط قصة عائلية بل أيضًا نقدًا سياسيًا واجتماعيًا، حيث يُستخدم الأسلوب الساخر لإيصال رسالة أعمق.
3. المفارقة الظرفية
وهي التي تنشأ عندما يحدث عكس المتوقع تمامًا.
الأولاد يظنون أنهم سيذهبون للعرس، لكنهم يجدون أنفسهم في سيارة متجهة إلى مكان آخر تمامًا.
الأم التي كانت غاضبة ومنسحبة، هي التي انتصرت في النهاية، بينما الأولاد الذين احتفلوا بقرارهم، هم الخاسرون الحقيقيون.
التصويت الذي ظن الأولاد أنه نهائي، لم يكن له أي قيمة في الواقع، مما يعكس كيف يمكن للقرارات أن تُصنع خلف الكواليس رغم وجود إجراءات شكلية.
أثر المفارقة الظرفية: تجعل النص أكثر حيوية، إذ تفاجئ القارئ وتجعله يعيد التفكير في مدى تحكم الأفراد في قراراتهم حقًا.
بشكل عام، النص ناجح جدًا في إيصال فكرته بأسلوب بسيط لكنه لاذع وساخر، مما يجعله ممتعًا وذا مغزى.
الوضوح في إيصال الفكرة في قصة “نتائج الساعات الأخيرة” لـ أركان القيسي

التعليقات مغلقة