التجاوزات الرقمية في القانون المدني وقانون العقوبات: التشهير وانتهاك الخصوصية

د. سعد حمزة ناصح

مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت قضايا التشهير وانتهاك الخصوصية من أبرز التحديات القانونية التي تواجه الأفراد والمجتمعات. القانون المدني وقانون العقوبات العراقي يوفران إطاراً قانونياً لمعالجة هذه القضايا، لضمان حماية الأفراد من الأضرار المادية والمعنوية التي قد تلحق بهم جراء الاعتداءات الرقمية.

في القانون المدني العراقي

يستند القانون المدني إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية لتعويض الأضرار الناتجة عن الأفعال غير المشروعة.

  • المادة (202) تنص على أن “كل فعل سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، ولو كان غير مميز، متى كان هذا الفعل ضاراً”. هذه المادة تضع مبدأ عاماً لتحميل المسؤولية لأي شخص يتسبب في ضرر، سواء كان الفعل مقصوداً أم لا. حتى الأشخاص غير المميزين، مثل الأطفال، قد يُلزمون بالتعويض عن الأضرار التي تسببوا بها.
  • المادة (204) تحدد أن “يُقدر التعويض بالنظر إلى الضرر الذي أصاب المضرور ومدى هذا الضرر، سواء كان ماديًا أو أدبيًا”. هذه المادة تمنح القاضي صلاحية تقدير التعويض بناءً على نوع الضرر وحجمه، سواء كان خسارة مالية أو مساساً بالكرامة والسمعة.

في قانون العقوبات العراقي

يتضمن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 نصوصاً واضحة تجرّم الأفعال التي تمس السمعة والخصوصية:

  • المادة (433) تُعرّف التشهير بأنه “إسناد واقعة معينة إلى شخص ما، إذا كانت الواقعة من شأنها أن تمس شرفه أو كرامته أو تعرضه إلى احتقار الآخرين”. يعاقب القانون مرتكب التشهير بالحبس لمدة تصل إلى سنة أو بغرامة مالية. وإذا تم التشهير علناً باستخدام وسائل الإعلام أو وسائل إلكترونية، تُشدد العقوبة.
  • المادة (438) تجرّم انتهاك الخصوصية من خلال نشر الصور أو المراسلات الشخصية دون إذن صاحبها. يُعد هذا الفعل اعتداءً على حرمة الحياة الخاصة، ويعاقب مرتكبه بالحبس أو الغرامة.

التطبيق العملي

في حالات التشهير أو انتهاك الخصوصية، يمكن للمتضرر الاستناد إلى المادة (202) لإثبات أن الفعل الذي وقع عليه سبب ضرراً مباشراً، سواء بنشر معلومات كاذبة أو صور خاصة دون إذنه. كما يمكنه الاستفادة من المادة (204) للمطالبة بتعويض يشمل الأضرار المادية والمعنوية. بالإضافة إلى ذلك، تتيح المواد (433) و(438) من قانون العقوبات مقاضاة المعتدين جزائياً لضمان محاسبتهم وردعهم.

أهمية التشريعات

تُظهر هذه النصوص القانونية مرونة التشريعات العراقية في التعامل مع القضايا الرقمية، مع التأكيد على ضرورة تطوير قوانين أكثر تخصصاً لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة وحماية الأفراد من الانتهاكات المتزايدة في الفضاء الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة