بغداد – الصباح الجديد:
بعد تدهور الحالة الصحيّة للقاص كاظم الجماسي، إثر إصابته بورم خبيث يتعذّر علاجه محليّاً، ما يتطلّب نقله للعلاج إلى خارج البلاد بأسرع وقت. دعا العديد من زملائه الأدباء، واتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، مجلس الوزراء، والمسؤولين عن الشأن الثقافيّ، بتبنّي نقله إلى الخارج وإنقاذ حياته قبل فوات الأوان.
وكتب الجماسي من على صفحته الشخصيّة في الفيسبوك رسالة وداع مؤثّرة إلى زملائه، جاء فيها:
الصديقات.. الأصدقاء .. وداعاً
أيّام ليس إلا .. وسأكون هناك ..
سأفتقد، الأمر الذي ينشرني وجعاً منذ الآن، الشمس والهواء والنهر والشجر ومرأى الأقمار والنجوم، وكل عطفة حسن من عطفات هذه الورقاء المعطاء المسماة «الحياة» ..
نعم، ولكن سأفتقد حضوركم أكثر.. صديقاتي أصدقائي، في البيت والمحلة والعمل والمكتبة والشارع، ليس في العراق وحده، بل عبر العالم أيضاً، وليس الآن فقط بل عبر الزمن أيضاً..
سأفتقد أيضاً، وهو أمر بالغ الشدة عليّ، .. أحلامي .. ياه أيّة قلاع شاهقة شديدة التماسك عديدة الطوابق والغرف، آه .. هناك حيث غفوت، ولهوت، وضحكت وبكيت، كيما أعدّ العدة لأقطر ذلك كلّه في «كتاب» حياتي!!! الذي غدا اليوم دعابة غاية في السماجة، حيث سيبدو فصلاً ساخراً، إلباس ثوب الأيّام القشيب هذه الرؤى العملاقة..
الصديقات.. الأصدقاء..
أجمع أمس أهل الحل والعقد من معشر الأطباء.. أن لا بقاء للجماسي صديقكم، في هذه» الدنيا الفانية» سوى أيّام معدودات، فالشق عريض والرقعة متصاغرة، مرضي عضال»سرطان رأس البنكرياس المتقدّم» الذي كشف عنه الرنين المغناطيسي بنحو واضح، ويمتاز تداخله الجراحي بتعقيد من الدرجة الأولى ولا يتناسب ومقدراتنا الطبية المحليّة، وبالتالي ليس من سبيل سوى طب الخارج المتقدّم، وليس من سبيل إليه سوى المال، المال الذي فوق طاقة ظهري بكثير على احتماله ..
على أيّة حال.. أجد أنّني عبرت كما أفراد جيلي، عشرات الميتات بسلام، وأنا اليوم ألعب في المستقطع لـ»الوقت الضائع»، شعوري اللحظة سلام عميق.. ها .. لا أكتمكم .. هو سلام مداف بأسى الوداع المرير.
وكتب العديد من الأدباء تعليقات وردود أفعال غاضبة، نرصد هنا بعضنا منها:
حسين القاصد: تعليق العضوية في اتحاد الأدباء
بعد عشرة أعوام من التيه الذي يعاني منه الوسط الأدبي، وانعدام التمويل، وانعدام أبسط حقوق الأديب العراقي… وكلكم تعلمون بأنّ اتحاد الأدباء قبل سقوط النظام الساقط كان تمويله من المكتب المهني لحزب البعث المنحل… وحين جرى التغيير ظل الأدباء بلا دعم وصارت مهرجاناتهم تعتمد على الدعم اللحظوي من قبل وزارة الثقافة أو الحكومة أو بعض السياسيين، فكان من بين هذا أن يحظى مهرجان تقيمه وزارة غير معنية بالثقافة بأضعاف ما يحظى به مهرجان المربد، وكلكم تتذكرون الأموال التي تنفق على مهرجانات المناسبات.. وقد طالبت ـ في لقاء قناة العراقية ـ قبل أيام بأن يخصص دعم للاتحاد من الدولة وليس من الحكومة كي لا تتهم الحكومة بشراء المثقف ولايتهم المثقف ببيع نفسه للسلطة.
وبعد أن بدأ عددنا بالتناقص نحن الأقلية (على حد تعبير الشاعر كاظم الحجاج )، وبعد أسبوعين من متابعة الصديق كاظم الجماسي في مدينة الطب ومراقبة حالته واعتمادنا على علاقاتنا الخاصة، في ظل انعدام أي قانون يضمن للأديب علاجه وحياته الكريمة، ولأنني عجزت بل فشلت ولم أتمكن من إنقاذ صديقي الجماسي ..
أعلن تعليق عضويتي في المجلس المركزي لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق، احتجاجاً على مايعانيه الأديب من إهمال، وأتقدم باعتذاري للجميع، داعياً الله عز وجل أن ينقذ حبيبنا كاظم الجماسي ويشفي كل المرضى الذين لا يملكون إلا الدعاء ..
وأتمنى أن يعلق اتحادنا العريق نشاطاته احتجاجاً على انعدام الدعم المالي.
ماجد طوفان:عوَق الثقافة والحكومة والبرلمان
منذ أيام ونحن نتابع الوضع الصحي المتردي للقاص والصحافي الصديق كاظم الجمّاسي.. بعض الأصدقاء عملوا ما بوسعهم.. لكن وبما أن العراق يمر بأسوأ حالاته الاجتماعية والسياسية والإنسانية.. فأننا نقول.. هل من المنطق أيتها الحكومة والبرلمان – برغم إنكما مُعاقان بكل شيء – أن تغدقوا أموال العراق على عملياتكم التجميلية وغيرها.. ويتمتع أبناؤكم وعوائلكم بتأمين صحي عالي الجودة والتخصص.. بينما يموت أدباء العراق واحداً تلو الآخر .. لأنهم لايمتلكون ثمن علاجهم.. أي خزي هذا.. وأية مهزلة ؟؟ وكي نكون أكثر واقعية.. فنهبُ الأموال وسرقتها.. أصبح هو القانون.. ومن لايسرق الآن فهو متهم على وفق منطق (صبياننا).. لكن يبقى أن يكون عندنا ( مثقف ) ينتزع حقوقه !! هل اتحاد الأدباء قادر على حل نفسه احتجاجاً!! وهل الوزير قادر على أن يستقيل!!.. لكن هل وزير ثقافتنا يشبه وزير الثقافة الفرنسي اندريه مارلو أيام حكم ديغول!! ….
بعد تحرير فرنسا، أقدم شارل ديغول على تعيين اندريه مارلو وزيراً للثقافة على الرغم من الاختلاف الفكري والأيديولوجي بينهما وعندما سألوه عن ذلك أجابهم نحن الآن بحاجة ماسة لوجوده لأنه سيبني المجتمع؛ لأن الثقافة هي الأساس الصلب للبناء.. فأين لنا مثل ديغول في وقت مازلنا فيه نختلف ..حول « داعش»؟!..