طالب القره غولي العمود الشامخ

علي عبد العال

مرت هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل العملاق العراقي المبدع الفنان الملحن طالب القره غولي. مرت هذه الذكرى مرور الكرام على بلد أنشد أغانيه الكثير من أشهر المطربين العراقيين الكبار وسقى منها الشعب أعذب الألحان الخالدة التي سوف تبقى مستقرة بذاكرة العراقيين على مرّ الزمان. صنع هذا الفنان الموسيقي المبدع ذائقة موسيقية لشعب بأكمله. ذائقة أشخاص مثقفين وذائقة أشخاص اعتياديين. لقد جمع الفطرة العراقية بمستوى من الشجاعة الحرة التي لا يمكن لأحد الاعتراض عليها. جمع الجمال والأصالة بنوع وشكل جديدبن بحيث تفوق على من سبقه ومن سوف يخلفه بأشواط بعيدة بقياس الإبداع.

قال العراقي أبو حالوب في مقهى الروضة:

هل تعرف هذا الرجل الجالس وحيدا على الطاولة المقابلة؟ قلتُ لا أعرفه.

قال: هذا طالب القره غولي.

وبلمح البصر وجدتني أتنازل عن النرجسية الخفية الخاصة بي وأذهب مباشرة إلى طاولته. القيت التحية وقبل الجلوس قلت له: أنت عمود شامخ من أعمدة العراق الفنية العظيمة، أحب الجلوس معك. دعاني للجلوس وداهمته بعظمته التي أعرفها جيدا. قلتُ له ببساطة مليئة بالحب: أنت يا طالب القره غولي أفضل ما أنتج العراق طوال نصف قرن. أنت طود أساسي شامخ في تأسيس المجتمع العراقي الحديث بالفن الموسيقي الرفيع. نحن أبناؤك النجباء. قلتُ الكلام المؤثر الجميل الصادر من القلب، وقلتُ له الكلام الذي يستحقه من عظمة وخلود. نظر لي بتمعنٍ وحكمة كرجل نال الكثير من المديح ولا ينقصه شيء منه؛ قال أين ستقضي الليل هذا اليوم؟ قلتُ: أعرف الكثير من الأماكن الجيدة، لكن أدعوك محبة في مكان ترغب فيه. قال خذني لأي مكان تفضله أنت، أنا بصحبتك هذا المساء. شعرتُ بالفرح الغامر، بل شعرتُ حقا بالسمو أنني أجلس مع طالب القره غولي. أتصلت بالشاعر رياض النعماني وبالصديق العراقي الشهم ناصر الصافي، أبو علاء، وقررت الذهاب إلى مطعم وبار أبو نؤاس في جرمانا. وهو بار ومطعم عراقي يشبه بارات العراق الجميلة. الكثير من رواد البار يعرفون هذا العملاق الشجي، وبالأخص أصحاب البار فضيفونا أجمل ضيافة. وبطاولة تتسع لأربعة أشخاص ضمت هذه الطاولة أكثر من عشرين نفرا بعد أن ألحقت بعا طاولات إضافية.

قال طالب القره غولي: صار لي سنتين لم أشرب، الآن أريد أن أشرب بحق. كانت أجمل السهرات وروى فيها سيد المقام بعض الحكايا والخفايا عن العمل تحت شرعة الديكتاتور وكيف ينظر الحكم للفن والفنانين وهي حكايا مرعبة ربما نستطيع كتابتها في فرص أخرى. تحية حب والخلود لروح الفنان العبقري المبدع طالب القره غولي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة