جمال جصاني
ها هي الصناديق تسلم لجامها للجنرال المتقاعد عبدالفتاح السيسي، ليكون رابع جنرال يحجز مقعد رئاسة الجمهورية في «ام الدنيا» بعد عبدالناصر والسادات والقابع خلف القضبان حسني مبارك. هكذا استردت مؤسسة «العسكر» الامانة التاريخية من فزاعة «المرشد»، بعد تجربة قصيرة لم تستمر أكثر من عام من حكم ممثل جماعة الاخوان المسلمين لمصر الرئيس المعزول محمد مرسي. النتيجة التي اسفرت عنها الانتخابات الرئاسية لم تختلف كثيراً عن ارث البيعة العريق، حيث الرقم الاسطوري 99% بعد أن ترك الجنرال للاكسسوار الناصري حمدين صباحي قبضة من حصاد الاقتراع. مثل هذه المعطيات تساعدنا على فهم المشهد الذي آلت اليه التطورات السياسية لا في مصر وحسب بل في غالبية بلدان ما عرف بـ(الربيع العربي) حيث العمامة من ورائكم والخوذة أمامكم..!
مثل هذه الخيارات المتنافرة وابسط بديهيات النظام الديمقراطي، اعادت بسط هيمنتها بعد التصدع المفاجئ للمنظومة القديمة، التي انهارت بفعل الاحتجاجات الشعبية ضد شروط الحياة المنحطة في هذه الاوطان القديمة. ان تسللها هذا يؤكد الحاجة الى جولات جديدة ونوعية من الكفاح والتضحيات تمهد لتحولات حقيقية وجذرية، تضع نصب عينيها مهمة؛ تجفيف منابع هذه الغيلان القديمة في عصر لم يعد يطيق العقائد الحنديرية حتى في الصوامع والثكنات. ان حالة الانسداد التاريخي والمأزق الراهن، والذي يختزل حظنا العاثر بنبوءة الماغوط حيث «العمامة والبسطال» تضعنا بمواجهة فواتير لم يعد أمر التملص منها ممكناً.
هذه العودة السريعة للتشبث بعصا الجنرال الجديد، يعود الفضل فيها لشراهة الجماعة الاخطبوطية ومرشدها، والتي اندفعت سريعاً بعيداً عن دهائها المجرب؛ لأخونة الدولة المصرية العتيدة. ومع ما خلفته الحقبة السابقة من يباب حضاري وقيمي وفضلات سامة، وبعد ان سقطت كتل المساحيق وترسانة الخطب والتزويقات اللفظية عن جماعات الدين السياسي بازيائها ورطاناتها المختلفة، ومع انعدام البدائل الواقعية لكل ذلك الخواء والعجز، نثرت الأقدار كل فضائلها وهداياها في جلباب السيسي والذي لم يتأخر عن تلقف الامانة التاريخية مجدداً، بعد ان ترك بزته العسكرية على أول مشجب عابر صادفه. وبعيداً عن الآمال والاحلام المجنحة، وبالرغم من عودة السلطة للعسكر، الا اننا لا يمكن ان نقارن الوضع الحالي بما كان عليه الحال زمن حكم الجنرال السابق حسني مبارك، حيث الشروط والانبثاقات الجديدة ستشق الطريق أمام هوية وملامح اخرى تليق بـ(أم الدنيا).