عامر القيسي*
من عجائب إنتخاباتنا النيابية الأخيرة ان كشفت لنا، أن الكثير من الكتل السياسية المشاركة فيها كانت من الدقة والتمحيص وروح المسؤولية العالية ان قدمت لنا مرشحين “بجماهيرية عالية” وحضور شعبي كثيف وكفاءات نادرة الى الدرجة التي حصل بعضهم على صوت واحد فقط والأكثر حظاً على صوتين والمميز على ثلاثة أصوات وهكذا حتى العد العاشر، لانه ربما يكون مقبولاً أن يحصل مرشح المصادفة أو إكمال ” العدّة” على مثل هذا الرقم “الذهبي” ..
الحاصل على رقم واحد هو صوته بكل تأكيد ما يعني انه فاقد لثقة أقرب الناس اليه وهي عائلته، فلو كان المرشح متزوجاً لحصل في الأقل صوتين، الأول له والثاني لزوجته، ومن حصل على ثلاثة أصوات يكون الثالث إبنه أو إبنته إذا كان من مؤيدي تحديد النسل على الطريقة الهندية، وهكذا صعوداً حتى نصل بشق الأنفس الى الناخب العاشر لمرشح من المفترض ان يكون ممثلاً للشعب أو لقطاع منه أو لعشيرته في أقل تقدير..
إختيار المرشحين للإنتخابات يخضع في كل دول العالم الديمقراطي الى معايير رصينة وواضحة وواقعية تتيح للمرشح ان يكون منافساً قوياً لمرشحين آخرين من كتل أخرى، لان الحصول على مقعد برلماني ليس إمتيازاً فقط وإنما يشكل حضوراً جماهيرياً وليس على طريقة بعض مرشحي أحد الأحزاب، الذين لم يحصلوا حتى على صوت واحد، وأعلنوا انهم لم يعلموا حتى بترشيحهم الى الإنتخابات ولذلك لم يذهبوا حتى لصناديق الإقتراع لذلك لم يحصلوا على أي صوت !!
ملاحظة: مرشح للبرلمان لا يذهب الى صناديق الإقتراع لإنتخاب حزبه في الأقل!!
لو يخرج إلينا أحد فطاحل تلك الكتل والأحزاب ليقول لنا وللعالم ما هي القاعدة الذهبية التي إعتمدوها لترشيح نواب المستقبل وما هي معاييرهم للإختيار، خصوصاً ان الأسماء التي نشرتها المفوضية ووسائل الإعلام للذين حصلوا على أقل من عشرة أصوات، أسماء لا حضور لها بأي وسط من الأوساط السياسية والشعبية والإجتماعية والثقافية والإعلامية ويفتقر أكثرهم الى كفاءات من اي نوع تساعدهم على ان يحملوا لقب برلماني لبلد من حجم العراق الذي يحتاج الى معجزات للنهوض من كبوته وليس الى نواب بلا أصوات ولا كفاءات ..
من مؤشرات هذه الفضيحة، هي الإستخفاف بأهمية الإنتخابات، التي قالوا عنها انها مفصل مصيري في تأريخ العراق السياسي، ولا ندري ان كانوا مقتنعين ان ترشيحاتهم إرتفعت الى مستوى هذا التحدي المصيري والتأريخي الذي يحدد بالنتيجة مصير اكثر من ثلاثين مليون عراقي بآمالهم وطموحاتهم ورغبتهم بالتغيير نحو حياة أفضل!
ومن مؤشرات هذه االفضائح ، ان الذين حصلوا على الاصوات المطلوبة من هذه الكتل غير مؤهلين هم ايضا لقيادة هذا البلد لانهم من اختار مرشحين من طائفة الصوت الواحد حتى الصوت العاشر الذهبي، والنتيجة انهم سيتعاملون بالاستخفاف نفسه وعدم احترام ارادات الناس ورغباتهم وهم في مواقع المسؤولية الجديدة ، وبالتالي نشهد مؤسسة تشريعية هي نسخة طبق الاصل من المؤسسة “الراحلة” مع قليل جدا من الامل من ان القادم ربما يكون مختلفا !