جمال جصاني*
لم يعد أمر غربة الصناديق ومنظومتها القيمية والسياسية في مضاربنا، يحتاج الى شرح وتوضيح بعد سلسلة النتائج والمعطيات التي تمخضت عن جولاتها المتعددة، في انتخاب المجالس المحلية أو في الاقليم والدورات النيابية الثلاث التي تفننت في اعادة انتاج كتل برلمانية لا تجيد غير تقنية اعاقة بعضها البعض. ومن يتابع مجرى العملية السياسية والعيوب البنيوية الخطيرة التي رافقتها، لابد ان يتوقف عند ذلك العطب القاتل الذي اصابها، الا وهو التواطؤ المريب للجهات الوصائية وآلية الانتخابات في تسلل أكثر من 90% من المرشحين الذين لم يقطعوا ربع الطريق لما يعرف بـ»العتبة الانتخابية» الى مقاعد البرلمان المقبل. ومع مثل هذه الغزوات المتنافرة لروح الديمقراطية ومغزاها ودورها في فك الاشتباكات وتنظيم حياة المجتمعات البشرية، نجد انفسنا برفقة أحد اكثر البرلمانات عجزاً وفشلاً بمواجهة متطلبات المرحلة الانتقالية، حيث السلطة الاولى في البلد رهن اشارة النسخ الجديدة من «اهل الحل والعقد» ممن اكرمتهم المصادفة التاريخية والامدادات العابرة لحدود المستوطنة القديمة، بالبيعة الديمقراطية والولاء الجمعي. ومع مثل هذه المعطيات والشروط التي تتيح لمثل هذه الجماعات والافراد في الوصول الى هرم السلطات العليا في البلد، لا يمكن لنا توقع حصول تحولات نوعية في برامج اعادة بناء الدولة والمجتمع.
ان عملية التحول الديمقراطي تحتاج الى آلية ومنظومة تساعد على وصول افضل ما لدى المجتمع من مواهب وكفاءات غير ملوثة بذلك الارث القبيح في الخنوع وترديد ما يقوله امراء وشيوخ الفتح الديمقراطي المبين.
لن نجافي الحقيقة عندما نشير الى الظلم والاجحاف الذي تفرضه الاوضاع والشروط الراهنة، على شريحة واسعة من العراقيين بشتى منحدراتهم وازيائهم، ممن يمتلكون قدرات واستعدادات واسعة لتقديم افضل الخدمات في مجال الشأن العام والارتقاء بشروط حياة سكان وطنهم الى اعلى المستويات، شروط تعيد انتاج ذات الاصطفافات وسط صخب وضجيج وعجاج مهرجانات تحتفي بالمخلوقات التي تجيد نقل عدتها من كتف الى كتف. لم يعد لدينا المزيد من الوقت، كي ننتشل مشحوفنا المشترك من الحافات الخطرة التي انجرف اليها، بفعل اصرار الاطراف المتنازعة على وضع غطرستها وهذياناتها وحماقاتها الشعبوية على رأس اولوياتها، من دون الالتفات الى المصالح العليا للوطن والناس، والتي تتطلب سن تشريعات وقوانين تتيح لنا امتلاك برلمان لا يحتاج اعضاؤه الى عكازات مستعارة لعبور العتبة الانتخابية كما يحصل اليوم بوصفه اضافة نوعية للفلكلور الوطني..