سها الشيخلي
اكدت مباديء حقوق الانسان برعاية الاطفال وتقديم كل ما من شأنه ان يقوم طفولتهم ، الا في بلدنا حيث نشاهد اطفالاً نازحين ترتسم التعاسة على ملامحهم وهم بعمر الزهور لكنهم يحملون من الهموم والبؤس ما يجعلهم يظهرون وكأنهم شيوخ ، كيف لا وهم المشردون في ديارهم والنازحون عن مناطقهم قسراً او هرباً من جحيم القصف وشظايا التفجيرات ، هؤلاء لم يكونوا طرفا في نزاع مهما كان لونه او شكله ، بل فقط وجدوا انفسهم بعيداً عن ديارهم يقفون في مذلة لانتظار كسرة خبز او قنينة ماء وهم ابناء بلاد النهرين العظيمين دجلة والفرات ، وكانت دولتهم والى عهد قريب تطعم الجائع وتهديء من روع الخائف منهم ، الا انهم الان يختلفون عن اي وقت مضى ، فهم نازحون ومشردون ولا حقوق لهم ، لقد تركوا خلفهم بيوتهم الامنة ومدارسهم وملعب طفولتهم ليكونوا ارقاما صماء في قوائم النازحين والمشردين واللاجئين ، فاي مستقبل ينتظرهم ، مثل هؤلاء الصغار اذا ما حملت قلوبهم الصغيرة كل ضغينة لبلدهم الذي شردهم وهم بمثل هذا العمر هل يلومهم احد ؟ عندما يكبر مثل هذا الصغير هل تظنون انه سوف ينسى ما حل به وباحلامه من انتكاسة كبيرة ؟ وذاكرته تختزن كيف سعى هاربا من جحيم القصف هو وعائلته ، هذا اذا بقيت للبعض من هؤلاء الصغار عائلة واب وام واخوة ، اما اذا فقد احداً من هؤلاء فستحفر تلك الحادثة عميقا في ذاكرته وسوف لن تمحو ذكرى الايام التي هجر فيها وما رافقها من كوابيس مؤلمة واية تفاصيل اخرى مهما طال به الزمن ، وكلنا يعلم ان ذاكرة الاطفال تختزن كل الاحداث سواء كانت محزنة ام مفرحة ولا تبرحها مهما كثرت الاحداث ( فالارشيف الاول ) سيظل قابعا في دهاليز الذاكرة ومثل هؤلاء الاطفال اذا ما ابتسم الحظ لبعضهم او للقلة منهم سيكونون اكثر الاولاد تعاسة ذلك لان ايام النزوح والتهجير ستقضّ مضاجعهم ، وسترافقهم كوابيس لا يقوون على الفكاك منها .
هؤلاء الصغار هم رجال الغد ، فكيف سيتصرفون اذا كانت طفولتهم منكودة ؟ كيف سيتصرف الرجل منهم اذا ما وضع في مكان المسؤولية ؟ هل سيكون رحيما ورقيقا وهو الذي ذاق الامرّين في طفولته ، وهل سيحاسبه المجتمع اذا ما اسقط كل تعاسته الماضية على الابرياء الذين سيكونون تحت رحمته ؟ المجتمع لا يلوم مثل هذا الرجل او يحقد عليه او يحاسبه .