أحمد الجنديل وكشف شراسة واقع فوق الخيال في «أمبراطورية الثعابين»

هيثم محسن الجاسم

رواية أمبراطورية الثعابين للسارد أحمد الجنديل , صادرة عن تموز ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق, عام 2018 ,ط2 ,وط1 عام 2017 لنفس الدار ,ب 207صفحة تتكون من ثلاثة فصول ب6 مشاهد لكل فصل .
أختار السارد أحد أنواع السرد المتتابع بتسلسل الأحداث عبر خط زمني تعاقبي زمكاني, بداية ووسط ونهاية, أشار الجنديل للصدفة لما وصف الرواية بانها من صنع الخيال أذا حصل توافق بين شخصيات الرواية وشخصيات حقيقية ,ربما بقصد أيهام القارئ أو اطلاق العنان للسارد للنبش في الواقع لتثوير الثيمة الأساسية للنص وما تضمر من دلالات سيميائية واحالات ومفارقات أو لأبعاد التأويل , نلاحظ اثناء سرد الرواية الغائر والكامن وراء المتن الحكائي بما يطلق عليه اعلاميا الخطوط الحمر المحروسة بالمسدسات الكاتمة والعبوات اللاصقة للجهات التي تقف وراء ما أطلق عليهم الثعابين أمثال الدكتور سميع وعشيرة ارشد وحماية ساجدة البركان ممن افرزهم مستنقع العملية السياسية صنيعة الاحتلال.
أما عنوان الرواية فأن فيه مبالغة بأطلاق صفة سياسية تعظيمية «امبراطورية «على دولة متهالكة, معطلة, مشروع تقسيم طائفي, اتني ,تعصبي, وهي منهارة ,مستباحة من كل الاوجه. وأطلق وصف ثعابين على ثعالب الزورة وزواحف المستنقعات كونهم زحفوا على السلطة بما يضمرون من سموم قاتلة لكل شيء كان أخلاقيا أو اجتماعيا أو سلوكيا .
الرواية منذ البدء توجه سؤالا كبيرا وتدور حوله بغية الاثبات والبرهان « من أين لهؤلاء كل هذه الاموال الطائلة «ص 45 ,مخاطبة القارئ على لسان شخصيتها الرئيسة ساجدة البركان التي تروي الاحداث كناقلة وواصفة أو سيرة ذاتية «ومع أنبلاج الفجر أتممت ما أريد قوله، لملمت أوراقي وسحبت ورقة بيضاء كتبتُ على صدرها بالقلم العريض (إمبراطورية الثعابين)، وانطلقت مسرعة إلى المطار لاستقبال القادم العزيز»ص205.
كانت الافعى ساجدة تطلب غسل ذنوبها بالاعتراف على خطاياها بحق الوطن ونفسها امام رب تستحضره ليكون شاهدا على آثامها المقدسة « ايها الرب الذي لا رب لي غيره»ص20 وتكرر ذلك في لحظات جلد الذات في مواقف عديدة .
واستخدم السارد على لسان الراوية ضميرانا المتكلم ليعطيها القوة والهيمنة في وصف الحياة وسرد التفاصيل العميقة بحياتها السرية « اصبحت الحياة حفلة تنكرية» ص50 , عندما تتكشف الاسرار الخفية امامها وهي الغرة والغشيمة بعالمها الجديد ابان ولوجها امبراطورية الثعابين , الولوج في الغرف الكابية الاضواء المثقلة حد الاختناق بالدخان ورائحة الويسكي بدا من همسات أو فيفيان أو رولا بأقنعة متعددة (ساجدة البركان) والدكتور سميع السالمون ( غالب) والدكتور راشد الازعر(سليم),وطارق العاشق ( طارق اغا).
وتعرية اخلاقهم ومبادئهم بالزنا والرذيلة ومعاقرة الخمر والسهر في الليالي الحمر حتى ضاق صدرها واستسلامها للقدر المهلك من عظم البلاء « لتكن مشيئتك ايها الرب , الدعاة الى تعاليمك خذلوك واسرعوا الى حضيرة الشيطان وانت يا رب الارباب «ص87 .
وايضا تعرية اكثر شخصيات الرواية بشكل فاضح لما تتصاعد الانفاس التي تغلي من حرارة الغضب والحسد والخيانة بينهما وراحوا يفضح بعضهم البعض ويبصق تاريخه البائس ,بانهم كانوا صعاليك منبوذين « عرفت سميعا كان صعلوكا وبائسا في مدينة ملبورن بأستراليا , يقدم صنوفا من المخدرات للمدمنين عليها « ويعترف على نفسه , ارشد الازعر «كنت وقتها اقدم اللذة في أحدى الملاهي الليلية للزبائن « ص127 . وطارق الاغا الذي كان يعمل بالبالة .
وزيادة في وصف الحالة المزرية للحكم في ظل الاحتلال وتسلق انصاف الحمير سلم السلطة ,شيوع ظاهرة الالقاب وخاصة الشيخ والدكتور في الشارع العراقي.
«وبعد اسبوع وبجهود سميع الشخصية حصلنا على شهادة الدكتوراه من احدى الجامعات الوهمية التي كثر انتشارها بعد الاحتلال» ص129 .
وعودة للسؤال الكبير ورغم ضبابية الاجابة, لكن ساجدة المهووسة لمعرفة الوجه الاخر لمجتمع شاذ اجتماعيا واخلاقيا وتحري اسراره بالرغم من تضحيتها بعذريتها وهي طالبة من عائلة فقيرة لتوقن بما لا يقبل الشك ان تلك الاموال الهائلة التي ينثرها عليها اعضاء مجلس ادارة مؤسسة الزعفران الخيرية وشركة الربيع مسروقة ومنهوبة من المال العام بطرق لا قانونية ولا شرعية ولا اخلاقية ممن ارتمت بأحضانهم « باستيراد الاغذية الفاسدة, البيض الفاسد ، اللحوم الفاسدة ، الحليب والدواء والزيت الفاسد « ص133. وادركت متأخرة ان جنان تعرف مفاتيح الاسرار لأنها سبقتها بالعهر والدعارة ولا يعنيها الا بيع اللذة مقابل المال وهي تردد على مسامعها دائما « انظري من نافذة وطنك ستجدين الجواب هناك «ص141 .
الرواية تخاطب القارئ بشفرات يملك مفاتيحها القارئ العراقي الاصيل وحده واما الاخر فلا بد له ان يستعين به ليطلع على الاسرار الخيالية التي تفوق تصورات العقل والمنطق الانساني الذي اوحى للجنديل بعنوان مثل امبراطورية الثعابين ليطلقه على الرواية.
استطاع الراوي الجنديل ان يفضح واقعا فاسدا من خلال شخصيتين انثويتين معلمة وطالبة ( جنان وساجدة) انغمستا في مجتمع الرذيلة والدعارة باصطياد المحدثي الثراء ممن باع شرفه وضميره ونفسه ووطنه وكل شيء يطلق عليه الخيانة الكاملة ليعوض البؤس والفقر الذي سلخ انسانيته حتى حوله لثعبان سام . وحول الافعى ساجدة نعجة بيروت الكسيحة «الى بنت الاصول وصاحبة النسب العريق بشراء الالقاب والانساب بالورق الاخضر الذي فاض من حقائب الفاسدين المتخمة بملايين الدولارات. وهي تتوعد بالانتقام لمكحلتها التي ولغ بها ميل سميع « لأغادر بيروت نعجة معطوبة ، بعد ما دخلتها غزالة تتباهى بحجابها الداخلي ، وتتبجح بانتصاراتها المتلاحقة على الرجال « ص142 .
الغريب واللافت ان كل الموبقات ترتكب باسم الوطن والرب في ظاهر سمته النفاق لا يعكس المضمر السلبي لحياة المجون والدعارة للأفراد والمؤسسات العابثة بمصير العباد والبلاد ابان الاحتلال الماسوني الصهيوني المجوسي الرجعي العروبي للعراق. «ايها الرب لنبحث أنا وأياك عن وطن : ماله منهوب ، وشرفه مسلوب ، ورأسه مقلوب مثل وطني « ص146.
وفق السارد احمد الجنديل بسرد متخيل ان يدهش القارئ والقارئة بأسلوبه السردي الشيق والناعم وياسره لمتابعة القراءة حتى النهاية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة