هاشم مهدي السوداني
خبير قضائي
يحتفل الصحفيون العراقيون بذكرى تاسيس الصحافة العراقية حيث صدور اول صحيفة صدرت أبان الاحتلال العثماني لبلدنا اثناء حكم الوالي مدحت باشا كان ذلك في يوم 15 حزيران عام 1869 حيث صدرت هذه الصحيقة باسم (الزوراء) معلنة عهداً جديداً في تاريخ الصحافة العراقية .
يذكر ان هذا الوالي قد جلب معه مطبعة من فرنسا عندما اسند اليه منصب ولاية بغداد من قبل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وكانت هذه الجريدة تصدر بنسختين صفحتان باللغة العربية وصفحتان باللغة التركية وقد قدرت الاعداد التي اصدرتها جريدة الزوراء ب (2606 ) عدد وكان يوم الثلاثاء موعد صدورها من كل اسبوع وقد تناوب على ادارة قسمها العربي من كان ضليعاً باللغة العربية ومن الاسماء التي توالت على اصدار هذه الجريدة امثال (حسن ازوم 1869 والشاعر المعروف جميل صدقي الزهاوي والادباء احمد الشاوي وطه الشواف وغيرهم ) وقد احتجبت هذه الجريدة عن الصدور بعد دخول القوات البريطانية بغداد في 11/اذار/1917 … وفي مدينة الموصل صدرت اول جريدة عام 1885 وباسم (جريدة الموصل) وجريدة البصرة عام 1889 وبعد اعلان الدستور العثماني عام 1908 صدرت مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات في العراق وظهرت في فترات وكانت هذه الصحف تنطق باسم التيارات والاحزاب والكتل السياسية التي سمح لها في ذلك العهد ان تصدر معبرة عن أرائها … وكانت هذه الصحف محدودة الانتشار لقلة القراء من جهة وصعوبة ايصالها الى المدن والقصبات البعيدة من جهة اخرى مختلفة.
وتعتبر مجلة ( خردلة العلوم ) من اوائل المجلات التي صدرت في العراق اذ ظهر العدد الاول منها في تشرين الثاني عام 1910 … وكانت كما وصفت نفسها ( مجلة علمية ادبية صحية تاريخية ) وكان الشعار الذي يتصدر صفحتها الاولى (( كن للحق عبد ,, فعبد الحق حر)) وتضمنت مواد هذه المجلة ابواب متنوعة منها (السلسلة الذهبية في حياة مدحت باشا الحقيقية ) وباب الاكاديمية وباب الاخبار والشذرات العلمية وباب الروايات , ومن الجدير بالذكر ان الرواية التي تنشرها هذه المجلة تحت عنوان (فتاه بغداد ) وكانت تحمل روايات ادبية اجتماعية فيما تعتبر جريدة (الوقائع العراقية) الوحيدة التي لا تستطع اي رقابة في الدولة التأثير عليها وان هذه الجريدة تنشر القوانين والانظمة والتعليمات والبيانات والاعلانات للسلطة العراقية وهنا لابد من ذكر صحيفة (حبزبوز ) الفكاهية الاسبوعية الناقدة الساخرة والتي صدرت في 29 ايلول 1931 واصدرت (302) عدد واستمرت حتى عام 1938 وانتشرت (حبزبوز) فور صدورها بشكل لم يعرفه تاريخ الصحافة العراقية لانها كانت تغمز الحكومات الرجعية وتعالج القضايا باسلوب ساخر وجريء ومن منطلق وطني , وكانت (حبزبوز) موسوعة للامثال والحكايات الشعبية ولغة الكتابة فيها مبسطة ومدعمة بالكلمات الفكاهية الدارجة العذبة .. وانتقد الصحفي المشهور نوري ثابت في مقالاته ( مدعي الصحافة) وبعض الكتاب الذين كانوا يشكلون ظاهرة سلبية في تلك الفترة لضعف اساليبهم الادبية في الكتابة وقد طالب هذا الصحفي بتشكيل (نقابة للصحفيين ) لضمان حقوقهم , ثم مرت الصحافة العراقية اثناء العهد الملكي بمراحل متعددة ظهرت منها الصحف الموالية للحكومات وحتى ثورة 14/تموز /1958 وبعد هذه الحقبة الصحفية المليئة بالمتناقضات والسجالات التي حملتها الاصدارات العديدة والمتنوعة التي عكست الحياة السياسية والمتطلبات الشعبية وكانت بحق ثورة صحفية عارمة مهما كانت الاختلافات وفي هذه الحقبة ايضا صدرت مجلات عديدة في عالم الطفل فكانت مجلة (التلميذ العراقي ) اول مجلة صدرت خاصة بالاطفال والاولاد اصدرها في بغداد السيد سعيد فهيم في 19 / تشرين الاول / 1922 وبعدها الكثير من المجلات التي تعني بهذا الشأن مثل (الكشاف العراقي ) و (المدرسة والطالب) واستمر اصدار المجلات التي تعني للطفل مثل مجلتي وعقبتها (المزمار) للاولاد وكانت دوافعها تربوية هادفة وبعد ذلك مرت الصحافة العراقية طيلة اكثر من اربعة عقود بمرحلة استعباد الصحافة والاعلام وشراء الذمم وتحجيم الاقلام الصحفية الشريفة حيث اصبحت الصحف والمجلات والاصدارات والاعلام بصورة عامة حكراً للدولة وتمجيد الرئيس والمسؤولين لتغادر الصحافة مهنيتها وتنطفىء المعرفة والادب والثقافة في بلدنا وتبقى الاقلام الشريفة بمعزل عن تحابي الاشخاص المهيمنين في الدولة …
وفي نيسان 2003 انطلقت الصحف والمجلات والاصدارات وتحركت الصحافة بكل طاقاتها وامكانياتها لتصدر عشرات الصحف التي انطلقت بالكتابات متمتعين بهذه الفسحة الجميلة من الحرية وبكل اعتزاز نوثق اتمام ( 152) عام قد مر على تأسيس صحافنتا العراقية …
وبهذه المناسبة نستذكر أحبتنا بالتقدير مقرونة بألم على استشهاد العديد من زملائنا الصحفيين الذين كان قلمهم مرعباً للاعداء والمجرمين والإرهابيين ليكون دمهم وقلمهم نبراس ينير درب الحرية والثقافة والمعرفة والصحافة التي لا تنسى هذه الكوكبة من الاعلاميين والصحفيين فرسان الكلمة الصادقة والمعبرين عن أمال الشرفاء من العراقيين لبناء بلدنا الجريح.