الخفاجي: لدي خوذة من العهد الايوبي وسيوف عباسية

عراقي يحول بيته الى متحف

وداد إبراهيم

حين قررت عائلة باقر ان تنتقل الى بيت جديد وتنفصل عن العائلة الكبرى طلب باقر من جده الأكبر ان يعطيه البندقية القديمة والخنجر المعلقان على الحائط، وظلت عينيه تدوران على المشارب والسيوف والخناجر وقطع تراثية كانت متناثرة في البيت القديم، كان يراها منذ صغره فتجذبه وكم من مرة طلب من امه ان تدعه يستعملها او يلمسها لأنه كان يعتقد انها ليست مشاهد للحروب والقتال بل مشاهد جمالية عالية القيمة، تزين بها البيوت.
كانت تلك نقطة البداية لموهبة انبثقت معه بالجمع والاقتناء والبحث عن كل ما هو نفيس ونادر وتراثي وانتيك من مستلزمات واسلحة وعجلات ودراجات هوائية، وساعات جدارية ومشارب وهواتف أرضية وأجهزة تسجيل ومستلزمات البيت البغدادي قبل أكثر من 250 عام والدخول الى المزادات والسفر الى مدن وقرى من اجل قطع صغيرة كانت او كبيرة الا انها تعني له الكثير.
عوالم كبيرة وواسعة ضاقت بها أروقة البيت
يقول باقر جابر عيسى الخفاجي خبير ومقتني الانتيكات: «بداية شبابي ومراهقتي كنت اهتم بكل شيء قديم في بيت جدي واستغرق مع مشارب الماء و الخناجر القديمة الا ان لا احد كان يهتم لهذه التحف، وقد حصل عليها جدي من عائلته واحتفظ بها لانها تذكره بعائلته، وكنت اجد انها اكثر من مجرد ذكرى، بل تاريخ وتراث وقصة وحكاية وصناعة تتحدث عن فترة زمنية مهمة انتهت، ما جعلني اطلب من جدي ان يعطني قطعتين مما موجود من قطع نفيسة في بيته، فأشار الى بندقية وخنجر، وقال لي (احتفظ بهذه القطع فقد تذكرك بي بعد سنوات) شعرت حينها اني امتلك كنز كبير وعلي ان لا افرط به ابدا».
جمع كل ما هو نادر وقديم من مستلزمات الحياة والأجهزة والأسلحة بما فيها من الخناجر والمسدسات او كما تسمى (الطبنجة) وحتى الحلي النسائية فاتسع بحثه وصار يجوب المحافظات بحثا عما هو مميز وتراثي فتولدت لديه خبرة ليميز الاصلي من التقليد. وصار خبيرا بالأنتيكات والقطع التراثية وحتى التاريخية.
يقول: «بدأت رحلة مع قراءة كتب تاريخ العراق وكل الحقب التي التاريخية التي مرت به، والتعرف على ما كانت تتميز به، وزيارة المناطق الاثارية في معظم مناطق العراق، فكل قطعة اثارية، هوية وقصة تتحدث عن حضارة عظيمة، وتحولت هواية الجمع الى ضرورة وغاية، وقررت ان أتواصل في البحث عن القطع النادرة في العراق وعرفت في كل المحافظات وبين مقتني الانتيكات باني اشتري القطع النادرة والنفيسة أينما تكون.
البحث عن بيت يليق بالتحف
قرر الخفاجي شراء بيت قديم كان قريب من بيت عائلته ليكون المكان الذي يليق بكل ما جمعه من مقتنيات وانتيكات والتي أصبحت اعدادها بالمئات، وقال: «من اجل ان يكون هناك مكانا ملائما من الناحية التاريخية والعمرانية والجغرافية، كان هذا البيت الذي وجدته حيث بني بشكل عمراني يعبر عن عظمة الهندسة والبناء العراقي، وقد نحت على الجدران اسد بابل واشور بانيبال وصور من تاريخ العراق العظيم، بني عام 1900 وبمساحة 900 م مربع ويعود لاحد كبار التجار في العراق.
وتابع: «كان البيت بحاجة الى ترميم فاتصلت بمهندس يعمل في دائرة الاثار العراقية وطلبت منه ان يضع خطة في كيفية ترميمه، ورحب بالعمل، واستمرت عملية ترميم البيت على وفق المواصفات التراثية التي بني عليها البيت، واستمرت عملية الترميم سنتين، مع الحفاظ على السقوف والابواب، واتصلت بفنان عراقي معروف حينها لعمل نافورة في الحديقة علما اني كلما عملته من تصميم تراثي في البيت كان بجمع اراء الآثاريين والفنانين، وما ان اكتمل حتى بدأت بعمل جلسات أدبية وثقافية كان يحضرها عدد من الادباء والشعراء ومن الاصدقاء من اثق بهم واعرفهم عن قرب، وكنت أحاول في كل جلسة ان اشجعهم على عمل زاوية في بيوتهم تختص بوضع قطع من التراث للحفاظ على الموروث العراقي الذي يتميز به العراق، وكنت مستعدا لإهداء بعض القطع لتشجيعهم، ومن خلال هذه الجلسات تعرفت على عدد كبير من مقتني الانتيكات في بغداد والمحافظات».
استخدم مدفأة علاء الدين تعود لعام 1920
واضاف: «اشتريت نصل سيف في الديوانية وبندقية في الكوت واقتنيت مستلزمات مكتب الحاكم البريطاني للعراق في البصرة، وسافرت حينها الى البصرة فكان الختم الخاص بالحاكم وقطع مكتبية وراديو خاص به، ووجدتها مع وكيل لساعات رولكس فاشتريت كل المقتنيات، ووجدت مع احد الأشخاص ماكنة خياطة بريطانية الصنع عمرها 120 سنة، وأول مدفأة بريطانية تحمل اسم علاء الدين صنعت عام 1920 وفيها شبابيك وعندما توقد تضاء بمصابيح صغيرة وعرفت ان شركة علاء الدين كانت بريطانية، وحتى الان استعمل المدفأة في الشتاء لان فيها مواصفات جميلة جدا، وكان حبي كبير لجمع الدلال العربية فقد اقتنيت من دلال (السيد صالح) في الناصرية 40 دلة عليها ختمه واسمه. وصار عشقي كبير وخبرتي أكبر في السيوف والدلال والبنادق واعتبر خبير في هذه الانتيكات، لكن هذه الخبرة بين الأصدقاء والمقربين فقط».
وأضاف: كانت هذه القطع بحاجة الى ترميم، وترميم القطع التراثية يجب ان يكون بشكل علمي ومدروس، لذا تعلمت فن ترميم القطع الفنية والتراثية مع عدد من الأصدقاء الفنانين والمهتمين بالتراث، وصرت اجري على كل قطعة عملية ترميم حين تكون هناك حاجة لذلك وحتى حين أجد قطعة اصلية الا انها متضررة كنت اشتريها واجري عليها عملية ترميم تعيدها الى ما كانت عليه».
كان الخفاجي حذرا من ان تعرف سلطات النظام السابق بانه يجمع قطع نادرة والمعروف ان هناك من يكتب التقارير اليومية يقول: «كنت اشتري ما اجده يلائم هوايتي بسرية تامة، بل تدربت على كيفية التخفي والابتعاد عن الناس خوفا من اقتحام عالمي من التراثيات والانتيكات والتي قد تؤدي بي الى مصير غير معروف، ثم وجدت ان السفر ومغادرة العراق الحل الأفضل، وفي نهاية التسعينيات أغلقت البيت وسافرت وتجولت في ما يصل الى 50 دولة كنت ابحث عن النادر والنفيس وادخل المزادات التي تبيع مقتنيات البيوت او ما يعبر عن التراث في تلك الدولة فكان امامي في احدى المزادات اخر مسدس لجنرال الحرب الاهلية الاميركية بين الشمال والجنوب مطلي بالذهب، صنع عام 1880 فحرصت على ان اشتريه مهما كان ثمنه واحتفظ به فكان لي وواجهت صعوبات كبيرة لإدخاله الى العراق بعد عودتي عام 2015 علما أنى امتلك كل الأوراق الرسمية التي تؤيد ملكيته وشرائه من المزاد وحصلت على منحوتات لشخصيات من المجتمع الافريقي».
اهم مقتنياتي بندقية عمرها 300 عام
اما عن اهم مقتنياته فقال: «اقدم القطع لدي، مجموعة من سيوف تعود الى نهاية الدولة العباسية، وسيوف تعود للعصر الكيلاني، ولدي سيوف دمشقية وهي من اجمل السيوف العربية، ولدي عدد كبير من الساعات القديمة التي تدق في ان واحد فأستمتع لدقات الساعات مرة واحدة، ولدي عدد كبير من السماور الروسية القديمة وكلها مختومة، واحدهم فيه 33 ختم، وكلما زادت الاختام كانت دليل على ندرته وقيمته، ولدي خوذة تعود للعصر الايوبي وإكسسوارات نسائية عمرها 200عام، وعدد كبير من المسدسات (طبنجة) منها عثماني وبريطاني عمرها أكثر من 250عام، وبندقية اسمها (مورسكي) عمرها 300عام وهي فرنسية اشتريتها عند زيارتي لفرنسها وادخلتها الى العراق بصعوبة، إضافة الى السيارات القديمة والتي احتفظ بها في مكان اخر
سأجعل من البيت متحف حقيقي
امضى الخفاجي اكثر من خمسين عاما في جمع التحف والانتيكات يقول انه يعيش فيها «حين اغادرها اشتاق لرائحتها وعبقها، ستكون في متحف مرتب وامام الناس لأني اريد ان يتمتع عشاق التراث والانتيك بما احتفظ، وأريد لكل عراقي ان يعرف عن تراثه من خلال مستلزمات بسيطة الا انها تمثل تاريخ مهم لذا سأفتح ابوابي امام كل الناس للحضور والمشاهدة والتمتع وقد تكون هناك محاضرات يقدمها مهتمين بالتاريخ والتراث تتحدث عن تاريخ بعض موجودات المتحف بالأخص وان هناك بعض المقتنيات تعود للعهد العباسي والعثماني، علما ان لدي الكثير من المقتنيات في غرف أخرى في البيت لم اعرضها ارغب بترتيبها حسب تاريخها او مكان صنعها لتكون امام الزائر وسيكون هذا قريبا».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة