التمدد الحكائي في رواية “الرجوع الصادم” لــ “ابراهيم الأعاجيبي”

علي لفتة سعيد

تعتمد رواية الرجوع الصادم للروائي ابراهيم الاعاجيبي في بنيتها الكتابية على التمدد الافقي للحكاية مع صعود عمودي للمتن لسردي في بعض لمفاصل.. فهذه لرواية أخذت اللعبة التدوينية فيبها على تمديد الحكاية الى ما يمكن الوصول الى لحظة تقشير الواقع وإماطة اللثام عنه.

فهذه الرواية التي تبدأ من العنوان قد كشفت عن حكايتها منذ الصفحات الاولى، وهو الامر الذي يجعل المتلقي يبحث عما وراء العنوان من حكايات أخرى.. فالرجوع يأتي بعد غياب وسفر و قطيعة ولقاءـ والصادم هو المحتوى الأعلى لماهية العنوان، وفيها أي المفردة يكمن البحث عن التأويل بعد ان تتم لملمة القصديات في فهم الصادم في عملية الرجوع، حيث يصل الاخ الى البيت بعد غياب بسبب الحرب ليجد زوجته وقد تزوجها الاخ فتحدث الفجيعة لكبرى.

إن عملية التوسع في الحكاية يجعل الروائي يمنح صلاحياته للراوي لينيب عنه بالحديث عن الشخصيات الأخرى والفعاليات التي تنطلق من الواقع، باعتبار ان الحكاية واقعية وان جعلها الروائي في جوانبها متخيلة، وهو أمر طبيعي، لكن الهدف من التأطير لهذه الحكاية باللعب الافقي، هو ما جعل المتن يأخذ عملية الانشطار في الحكاية والتوزيع الى حكايات صغيرة. لان الاصل العام لجمع القصدية، هو الغضب من هذا لواقع الذي جعل الحكاية تتسيّد الموقف السردي، في حين جعل المتن السردي يعطي ملامحه للحكاية عبر اختيار شخصيات لها القدرة على معالجة ما هو مضمر في الحكاية وما هوة معلن لتوسيع دلالاته.

إن بنية الكتابة اعتمدت على حالتين مهمتين، وهما الواقع الضمني والمتخيّل المخفي.. وفي الحالتين ثمة ما هو مرجّح لكي يقود الحكاية التي دفعت بالروائي الى الاستسلام في الكثير من المواقع.. من خلال إعطاء الاهمية للحكاية على حساب السرد، ومن خلال استخدام اللغة التي تعطي دفع شبه رباعي الى الواقع الحكائي. بمعنى ان هناك عملية اشهار للواقع واضامر للسرد. ولهذا فان المستوى الاخباري هو القامة العليا في كل تفاصيل لروية بجانبيها الحكائي والسردي.. ومن خلاله يتم ظهور المستوى التحليلي الذي يعيد الروائي بعض صلاحياته من الراوي، وخاصة في الاجزاء التي تتعلق بالجانب السياسي والحرب، لان فعل الغضب تصعد مناسيبه، وهو قد ترك له مفتتح التأويل الاول الذي يحمل قصدية الفكرة الكلية من خلال المقدمة في الصفحة الاولى قبل الاستهلال، حين اختار قولا لايمانويل كانت (من نسيج الانسان الفاسد لم يصنع ي شيء مستقيم ابدا)

وهو ما نجده المفردة المحتجّة متوهّجة او محترقة. ولهذا فان اللجوء الى طريقة سرد متناوبة ما بين المخاطب والمتكلم والغائب يعود الى تلك الطريقة اهتمام الروائي بالحكاية واعطائها لدفق الواقعي. وهو ما نجده واضحا منذ الاستهلال حيث تكون الصورة الاولى في المتنين السردي والحكائي: ( يعود الغائب حاملا معه حنينه ولهفته الى أهله وك ما يشده الى أرضه……………. وتشتتها بين الهنا والهنك اكون كمن خرج من ظلمة لم يحلم ين يخرج منها ذات يوم )

إن بنية الكتابة كذلك تعتمد على بث الانثيالات بطريقتين، المتسارعة والبطيئة، وبحسب المقدرة التدوينية للروائي الذي يريد مناقشة الفكرة التي تعصف بالواقع الذي يعيشه، وما فعلته الحرب والانظمة والتحولات الكبرى التي شهدها العراق..  ولهذا فان الروائي وربما كان بقصد، لم يجعل لمتنه أي تنقيط لفواصل الجمل، وتركها وكأنه يريد المواصلة الحكائية للمتلقي، وبهذا لا يكون هناك توقّف لمعرفة انتهاء الجملة من بدايتها الجديدة، لان السارد أراد الروي، ومن ثم التفكيك للواقع والشخصيات، وبعدها التحليل لما جرى  في المكان والزمان، وبالتالي الانتباه الى مرمى القصديات أكثر من الانتباه الى لعبة التدوين.. لذلك جعل بدل التنقيط فراغا بين الجمل مسافته حرف واحد، وكأنه يريد معالجة الفعل التدويني في مستواه السردي أو قد يجدها البعض غفلة في التدوين بلعبة لاستمرارية على لسان الراوي الذي يتحوّل من صيغة الغائب الى المتكلم الى المخاطب.

ان راوية الرجوع الصادم رواية الحدث الحكائي التي تتناول الازمنة والشخصيات على رقعة مكانية واحدة سواء كان في العمل استرجاع ذاكراتي لأبعاد الشخصيات او السير في توسيع مدى الحكاية من خلال العديد من الموجهات الفكرية، سواء تلك التي تحمل ايديولوجيات متناقضة او التي تحمل الضياع الفكري للإنسان، فان الحرب هي مقياس هذا ( الضيم ) الذي ترك أثرا غير محمود في الحالة الانسانية العراقية ،وهذا لا ينفي وجود مستوى التصويري الذي يأخذ الابعاد التوصيفية للمكان مثلما يأخذ الابعاد النفسية للشخصيات.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة