تقادم الخطيب*
فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن سيعني بداية جديدة للمنطقة العربية، وسيسفر بلا شك عن تغيرات علي السياسة الأمريكية سيكون أبزر المتضررين منها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يواجه تحديات كبري علي المستويين الداخلي والخارجي، علاوة على توقع انحسار نفوذ ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. تحليل تقادم الخطيب لموقع قنطرة.
لم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية من قبل رئيساً مثل الرئيس الحالي دونالد ترمب، من ناحية التدني السياسي والأخلاقي والمهني. فالرجل يتعامل مع السياسة بمنطلق السمسار وليس بمنطق السياسي، الذي يعرف قوة بلاده ومكانتها على الصعيد العالمي أو المبادئ التي تتعلق بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. ولعل خلفية الرجل والطريقة التي جاء بها (كونه خارج المؤسسة الحاكمة وهنا أقصد الحزبين الديمقراطي والجمهوري) تدل علي أزمة القيادة علي المستوي الداخلي، التي تمر بها الآن الولايات المتحدة الأمريكية.
منذ أن وصل دونالد ترمب إلي السلطة في 2016 تغير وجه العالم حقا، فاليمين المتطرف أصبح أكثر قوة عما كان عليه من قبل، مستمدا قوته من خطابات ترمب العنصرية، كما أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت أكثر قتامة عما كانت عليه من قبل.
لقد تصرف ترمب خارج كل الأعراف السياسية والدبلوماسية الراسخة منذ عقود، فقد قام بتعقيد القضية الخليجية ودعم الحصار المفروض علي قطر، كما أنه أطلق العنان لتلك الأنظمة القمعية بإشعال نار الحروب والتدمير وقتل المعارضين وسجنهم، موفرا لهم في ذلك غطاءا سياسيا لممارسة كل تلك الجرائم على مرأي ومسمع من العالم، وقضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده في إسطنبول وحرب اليمن مثالان واضحان على تقديم ترمب هذا الدعم السياسي لهذه الأنظمة القمعية في المنطقة العربية لتمارس ما يحلو لها من قمع وقتل وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان دون أي خوف من أي ضغوط قد تمارسها الولايات المتحدة أو حلفاءها في هذا الشأن.
استغلت تلك الأنظمة القمعية هذا الغطاء السياسي المقدم من ترمب لتعزيز سلطتها من خلال قبضة أمنية لا تعرف الرحمة وعصف بدولة القانون، والقيام بتعديلات للدستور للبقاء في السلطة مدة أطول، كما فعل الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي قام بتغيير الدستور ليستطيع البقاء في السلطة حتى عام 2030.
أنظمة القمع العربية تخشى عودة ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية إلى أجندة الادارة الامريكية الجديدة
لكن ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية تنتاب حالة من القلق تلك الأنظمة الاستبدادية، فاستطلاعات الرأي تؤكد على تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن علي الرئيس الحالي بفارق كبير، وهذا معناه أن بايدن قد يكون هو الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية، ولو حدث هذا فسيكون هذا مقدمة لتغيير قواعد اللعبة السياسية في الشرق الأوسط.
ففوز جو بايدن يعني تصدر خطاب حقوق الإنسان مرة أخري في أجندة الرئيس الأمريكي وهذا يمثل خطرا حقيقيا لتلك الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط. ففي مصر مثلا يتخذ الرئيس عبد الفتاح السيسي موقفا معاديا لحقوق الإنسان منذ صعوده للسلطة في 2014، حيث قام باعتقال عشرات الآلاف وغلق المجال العام والسيطرة على الإعلام، إلى جانب الهيمنة على السلطتين التنفيذية والتشريعية طبقا للتعديلات الدستورية التي تمت في العام الماضي.
هذه الممارسات القمعية التي يقوم بها الرئيس المصري الحالي ناتجة عن قناعة شخصية لديه بأن هامش الحرية، الذي تم منحه للمعارضة قبل 2011 إلى جانب السماح للمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بممارسة نشاطها، هو ما أدي إلى الانتفاضة الثورية في فبرابر 2011 والتي أدت إلي الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. هذا هو الهاجس والدافع الأساسي خلف هذه التصرفات التي يقوم بها الرئيس المصري الحالي، وقد ساعده علي ذلك الغطاء الذي منحه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للرئيس المصري مقابل تنازلات سياسية أو في إطار صفقات سياسية من أبرزها ما يسمي بصفقة القرن.
فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن ودخوله البيت الأبيض سيكون له انعكاس بلا شك على سياسات الرئيس المصري، وبالتالي ستضعه تحت ضغوط دولية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، كما أنه سيجعل هناك مؤسسات داخل الدولة المصرية تراقب الوضع عن كثب وقد تتدخل في لحظة معينة للإطاحة بالرئيس المصري، وهنا أقصد المؤسسة العسكرية والتي أصبحت الآن الجهة الوحيدة القادرة علي إحداث تغيير في مصر.
«استغلت الأنظمة القمعية العربية الغطاء السياسي المقدم من إدارة دونالد ترمب لتعزيز سلطتها من خلال قبضة أمنية لا تعرف الرحمة أدت إلى تجميد الحياة السياسية وإغلاق الفضاء العام وتشويه صورة وسرديات الربيع العربي.»
ومن هذا المنطلق يمكن فهم ما يتم تداوله من أخبار الآن عن تبرع الرئيس المصري بأموال لحملة ترمب أملا في مساعدته في الفوز في الانتخابات والبقاء في السلطة، مما سينعكس على بقاء الرئيس المصري ذاته في السلطة وتقديم المزيد من التنازل علي حساب الأمن القومي المصري ومكانة مصر الإقليمية التي تراجعت كثيرا في عهده.
السعودية تستعد لمرحلة ما بعد ترمب
في المملكة العربية السعودية يتشابه الأمر ذاته مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي صعد إلي ولاية العرش في ظل الرعاية والموافقة السياسية لدونالد ترمب.
وبموجب هذه الرعاية وهذا الغطاء السياسي، قام ابن سلمان بإزاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف من ولاية العهد وتنصيب نفسه وليا للعهد بدلا منه علي غير إرادة هيئة البيعة المنوط بها ترشيح ولي العهد، ثم في وقت لاحق قام ابن سلمان باعتقال ابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف وتحديد إقامته، وهو ما فعله لاحقا مع عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز والذي يعتبر الأقرب لمنافسة بن سلمان في ولاية العهد، وتولي عرش المملكة.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل قام ابن سلمان بإصدار أوامر بقتل الصحفي السعودي المعروف جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، في جريمة بشعة اهتز لها العالم أجمع. لكن الدعم والغطاء السياسي الممنوح من الرئيس ترمب إلي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سهل من مهمته تلك ليقوم بهذه الجريمة البشعة دون أن يأخذ في الحسبان ردود الأفعال الدولية، ولينجو لاحقا بفعلته تلك.
توقع انحسار نفوذ ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد وتراجع دور محور الثورات المضادة لثورات الربيع العربي
بالنسبة للإمارات وولي عهدها محمد بن زايد تعتبر خسارة ترمب، لو حدثت، هزيمة للوبي الإماراتي المشكل في واشنطن بقيادة السفير الإماراتي يوسف العتيبة، والذي له علاقات نافذة في واشنطن، وهناك أنباء تم تداولها من قبل عن تدخل الإمارات في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية، مما قد يعني فتح تحقيقات في هذا المضمار تؤدي إلي إدانة ابن زايد.
خسارة ترمب تعني فعليا أيضا انحسار نفوذ ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رجل الإمارات القوي والحاكم الفعلي لها، الذي يريد أن يكون رجل المنطقة على حساب دور مصر المريضة. خسارة ترمب ستكون في المجمل ضربة موجعة لمحور الثورات المضادة لثورات الربيع العربي في المنطقة، وستضع حدا أيضا للحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات.
منذ انطلاق الانتفاضات الثورية في الشرق الأوسط، أو ما يعرف بالربيع العربي، والمنطقة تشهد سيولة وانسيابية وتغيرا في موازين القوي وتراجعا لدور الولايات المتحدة الأمريكية وعودة الدور الروسي من خلال البوابة السورية.
تعمق تراجع دور الولايات المتحدة تحت حكم ترمب أكثر مما نتج عنه صعود قوي إقليمية أخري مثل تركيا وإيران، إلي جانب توحش الأنظمة القمعية العربية.
لذا فإن فوز جو بايدن سيعني بداية جديدة للمنطقة العربية، وسيسفر بلا شك عن تغيرات علي السياسة الأمريكية تجاه سيكون أبزر المتضررين منها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يواجه تحديات كبري علي المستويين الداخلي والخارجي يمكن أن تهدد استقرار نظامه.
*تقادم الخطيب، باحث مصري حصل على الدكتوراة من جامعتي برينستون وبرلين، ومسؤول الاتصال السياسي سابقا بالجمعية الوطنية للتغيير في مصر وهو محلل سياسي وكاتب بعدد من الصحف العربية والاجنبية.
عن موقع قنطرة