باريس تجدد دعوتها لـ»اختيار النهوض بدل الشلل»
متابعة ـ الصباح الجديد :
حل امس السبت الذكرى الأولى لانطلاق حراك شعبي غير مسبوق في لبنان، حين خرج خلالها لبنانيون غاضبون إلى الشوارع مطالبين برحيل الطبقة السياسية، فيما غابت اليوم حماسة التظاهرات الأولى، لكنها لم تذهب هباء. فخلال سنة واحدة، أُسقطت حكومتان وكسرت محرمات وتحققت انتصارات نقابية ومبادرات مدنية.
ودفعت التظاهرات حكومة سعد الحريري إلى الاستقالة، قبل أن تتراجع وتيرتها مع تشكيل حكومة جديدة مطلع العام ضمت اختصاصيين سمتهم أحزاب سياسية معينة، من دون أن تنجح في تحقيق تطلعاتهم، فقدمت استقالتها بعد انفجار المرفأ المروع في 4آب.
وساهمت عوامل في تراجع الحراك الشعبي وغيابه تماما، من انتشار فيروس كورونا المستجد إلى قمع القوى الأمنية لتحركات عدة تخللتها أعمال شغب، ثم انهماك اللبنانيين في تأمين لقمة العيش واستحصال أموالهم من المصارف أمام الانهيار الاقتصادي المتسارع في البلاد.
قد تكون حماسة الشارع تلاشت لكن كلمة «ثورة» أو «انتفاضة» لم تغب عن لسان اللبنانيين، وباتت شعارا لكل من يسعى نحو التغيير. ويؤكد ناشطون أنهم لن يتراجعوا عن سعيهم من أجل بلد أفضل وإن كانت الأزمات تتراكم وآخرها انفجار المرفأ.
تحقيق انتصارات
وكسر الحراك الشعبي حواجز عدة بعدم استثنائه منطقة أو طائفة أو زعيم، خصوصا بعدما طالت الهتافات حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، في مشهد لطالما اعتُبر من «المحرمات».
وطالت رياح التغيير الانتخابات النقابية والطالبية، فاعتبر انتخاب ملحم خلف، القريب من المتظاهرين والناشط منذ عقود في المجتمع المدني نقيباً لمحامي بيروت «انتصارا» لطالبي التغيير.
وحقق ناشطون مستقلون اختراقات في الانتخابات الطالبية في جامعات عدة. وأطلق الحراك مبادرات مدنية عدة ومنح دفعا لمبادرات أخرى بينها منصة «ميغافون» الإعلامية التي انطلقت العام 2017.
ويقول أحد مؤسسي المنصة جوناثان داغر إنها تهدف إلى نقل مطالب الشارع بعيدا عن «الخطاب المهيمن» على الإعلام المحلي، في غياب وسائل إعلام «مستقلة» بشكل كامل، كون غالبيتها موالية لطرف سياسي ما أو على الأقل مؤيدة لخط سياسي ما.
وخلال عام، أقر مجلس النواب قانونين لمكافحة الفساد، في محاولة من الأحزاب السياسية لتهدئة الشارع من جهة وإرضاء المجتمع الدولي الذي يطالب لبنان بإجراء إصلاحات ضرورية للحصول على دعم مالي يخرجه من دوامة الانهيار الاقتصادي.
وبث الحراك زخما في نقاش قضايا عدة من العلمانية إلى حق المرأة في منح جنسيتها لأولادها ودعم الفئات المهمّشة، وهو ما يعتبره ماجد «بداية تغيير في الذهنية».
«غياب القيادة»
شكلت التظاهرات، وفق ما تشرح أستاذة التاريخ والعلوم السياسية كارلا إده «تحولا تاريخياً بالتأكيد» في لبنان، لكنه «لا يزال من المبكر الحديث عن مرحلة تأسيسية».
ولعل المثال الأكثر وضوحا هو أن الطبقة السياسية، التي يطالب المتظاهرون منذ عام برحيلها واستبدالها بحكومة اختصاصيين مستقلة تماما، لا تزال تتحكم بالحياة السياسية، تتقاسم الحصص في ما بينها وتحدد شكل الحكومات وأعضاءها.
وتوضح إده أن الحركات الثورية «تحتاج لوقت بشكل عام» لتحقيق التغيير «إلا أن الوقت وحده لا يكفي».
وترى أن الحركات التي نجحت في «هيكلة» نفسها تمكنت من تحقيق تغيير، فيما «تغيب القيادة» عن الحراك اللبناني الذي يقوم على مجموعات مختلفة تتباين وجهات نظرها أحياناً.
ولم تثمر المحاولات المستمرة لإنشاء تحالف سياسي واسع يشمل العدد الأكبر من المجموعات، وفق ناشطين.
ودعت باريس عبر وزارة خارجيتها مجددا الفرقاء السياسيين في لبنان إلى التوصل لتوافق لتشكيل حكومة، معتبرة أنه حان وقت «اختيار النهوض بدل الشلل والفوضى».
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن «تشكيل حكومة مَهمّة قادرة على تطبيق الإصلاحات الضرورية لا يزال مؤجلا، رغم الالتزامات التي أعادت مجمل القوى السياسية اللبنانية تأكيدها».
وأضافت «تعود لهؤلاء، ولهم وحدهم، مسؤولية الانسداد المطول الذي يمنع أي استجابة للانتظارات التي عبر عنها اللبنانيون»، وشددت على أن باريس «مستعدة لمساعدة لبنان في الإصلاحات الكفيلة لوحدها بتعبئة المجتمع الدولي». وتابعت «يعود إلى المسؤولين اللبنانيين اختيار النهوض بدل الشلل والفوضى. تقتضي المصلحة العليا للبنان والشعب اللبناني ذلك».
ويجب على لبنان تعيين رئيس حكومة جديد، عقب محاولة أولى لم تجنح في تشكيل حكومة «مستقلين» يطالب بها الشارع والمجتمع الدولي.
وعقب أسابيع من المفاوضات، تخلى رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، الذي اختير نهاية آب ، عن مهمة تشكيل حكومة لغياب التوافق الوطني. وكان على تلك الحكومة القيام بإصلاحات ضرورية للإفراج عن المساعدة الدولية في غضون أسبوعين، وفق ما أعلن الرئيس الفرنسي خلال زيارته إلى لبنان بداية أيلول.
وأثار تجاوز تلك المهلة غضب الرئيس الفرنسي الذي اعتبر ما حصل «خيانة جماعية» في خطاب ألقاه غداة استقالة أديب.