علي عبد العال*
درج العراقيون منذ آلاف السنين على تخليد الزعيم منذ الملك العظيم جلجامش الذي ساووه بالآلهة شأنهم شأن الحضارت المعاصرة لهم في ذلك الزمان كالحضارة الفرعونية في مصر والأوغاريتية في بلاد الشام، وشأن جميع المجتمعات البشرية التي كانت تمجد القائد وتجعله بمصاف الألهة وماهو إلا بشر مثلهم. تعوّد العراقيون تاريخيا على فكرة «الزعيم الرمز» والقيادة الفردية المطلقة منذ القدم. إذ كان «الزعيم ـ القائد» يقوم بكل الأعمال التي تخص الدولة والمواطنين من بناء الجبش وصولا إلى تنظيف الشوارع. وتطور الأمر أكثر من ذلك بحيث تحارب الدولة كل من تسول نفسه التنظيف الشخصي بالشوارع والمحلات السكنية، وكانت تلك الممارسات هي ضرب من ضروب السيطرة على مجريات المجتمع بكل حذافيره، من الإمامة حتى القمامة. خنع الشعب لتلك الأحكام السهلة، لكنهم توجهوا بغير شعور نحو البطر اللذيذ تحت سقف من العبودية المهادنة. يقف المواطن العراقي ويلقي اللوم على الدولة لعدم توفر أبسط الخدمات. هذا موروث اجتماعي عبر أزمان بعيدة يتطلب التصليح والإعداد من جديد. لكن من يتمكن تغيير سلوك اجتماعي تاريخي أمتد لألفي عام بقرار سياسي سريع؟
وقعتْ الأحزاب السياسية الجديدة المتنورة بهذا المطب التاريخي القديم نقصد فكرة «القائد الرمز»، ولم تستطع الفكاك منه بسهولة. ووقع الحزب الشيوعي العراقي الذي كان محط أنظار قطاعات واسعة من الجمهور العراقي ومنها أنضوى تحت رايته وفي صفوفه التي ضمت نخبة من المثقفين والأدباء وقادة من الجيش العراقي، وعلى الرغم من هذا الزخم النخبوي والجماهيري، لم يستطع الحزب الشيوعي العراقي التخلص من فكرة الزعيم والقائد الرمز فكان الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم هو الهدف المنشود. تتمثل المشكلة الحالية الآن بالنسبة للمجتمع العراقي بخلق زعيم شيعي تتشابه مواصفاته مع شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم، ويعول الكثير منهم على شخصية رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ليحتل هذه المكانة ويشغل هذا الفراغ القيادي الخطير. العراقيون لديهم ميل لخلق الزعيم المطلق، سنّة وشيعة على السواء. تلك حقيقة تاريخية لا يمكن الخلاص منها بسهوله. هنا تقع الأحزاب الجديدة بذات الأخطاء المميتة. يضعون الآمال كلها على كاهل «الحبيب والقائد المفدى» لكن عندما يتعرض هذا الحبيب والقائد المفدى للحساب فسوف يقف الجميع يهتفون بذبحه وتعليقه على المشانق كما حدث لنوري السعيد ولعبد الكريم قاسم وأخيرا للدكتاتور صدام حسين بغض النظر عن الحسنات والسيئات التي تخص كل واحد منهم على حدة، بيد أننا نقصد النهاية المتشابهة التي لحقت بهم وغيرهم من قادة الأحزاب في نهاية المطاف.