حرفية «التتابع» في تصوير الفيلم السينمائي

خالد ربيعي

تحدث أخطاء كثيرة في تصوير الأفلام السينمائية، خصوصاً عند المبتدئين أو غير المحترفين والضعفاء في المستوى الفني عموماً، ولعلنا كمشاهدين قد لمسنا بعض هذه الأخطاء عند مشاهدة فيلم ما، ربما كان خطأً في تغير سرد حدث أو كادر الصورة أو ديكورات المكان، وضعية الحركة، تبدل الزمن والوقت، تفصيلات الملابس أو المكياج أو حتى الصوت.. وغير ذلك من هذه الأخطاء التي تربكنا أثناء المشاهدة وتشعرنا أن الفيلم غير جيد ومفبرك كيفما اتفق. هذه الأخطاء المربكة تحدث بسبب أخطاء التتابع .
إذن من المهم الحفاظ على التتابع Continuity السليم للّقطات أثناء تصوير الفيلم السينمائي، حتى يمكن الحصول علي تدفق سليم في الاستمرارية عند عمل المونتاج. حيث يمكن لخطأ واحد في التتابع أن يخلق مشكلة في المونتاج، مما قد يستدعى إعادة التصوير، هذا إذا تم اكتشافه. فعلى سبيل المثال: لو أن الإضاءة قوية في لقطة ما High key وفي لقطة أخرى خافتة Low key نجد أن هاتين اللقطتين لن تتطابقا في المونتاج. ونفس الشيء سيحدث لو أن الصوت منخفض في لقطة، وفي اللقطة التالية عالي.
ولأن تصوير اللقطات يتم بشكل منفرد، وقد يفصل بينها أيام وأسابيع، يكون من الصعب تذكر التفاصيل الخاصة بكل لقطة، مما يخلق مشكلة في تحقيق التتابع الأمثل لذلك من أجل الحصول على تتابع صحيح، لابد من تسجيل كل التفاصيل الخاصة بكل لقطة أثناء التصوير. ويكون كل فني يعمل في إنتاج الفيلم مسئولاً عن تسجيل التفاصيل الخاصة بتتابع حرفته.
بالطبع بشكل عام يُعتبر المخرج هو المسئول عن ثلاثة أنواع من التتابع: تتابع الحركة, وتتابع اتجاه النظر، وتتابع أداء الممثلين. فيما يكون مساعد المخرج مسئولاَ عن تسجيل كل ما يخص هذه الأنواع الثلاثة.
ففي تتابع الحركة يجب الحفاظ علي اتجاه الموضوع المراد تصويره، من لقطة إلى أخرى، حتى يبدو واضحا للمتفرج. ولن تكون هناك مشكلة إذا ما كان المشهد لقطة واحدة مستمرة، حيث لن يحدث أي اعتراض للحركة عن طريق القطع.
وحيث أن معظم المشاهد تصور من خلال مجموعة من اللقطات، وباستخدام زوايا متعددة للكاميرا، لذلك فمن السهل أثناء التصوير فقدان تتابع حركة الموضوع، عندما يحدث تغير في زاوية الكاميرا. لذا على المخرج أن يراعى دائما المحافظة على ما يسمى بـ(الخط الوهمي) أثناء التصوير حتى لا يسبب إرباكاً المتفرج.
والخط الوهمي هو أداة يستخدمها المخرج للحفاظ علي التتابع السليم للحركة أثناء التصوير. حيث يتم رسم خط خيالي، غير موجود في الحقيقة، يمر بمنتصف الموضوع المراد تصويره تماماً. ويختار المخرج أحد جانبي الخط ليتم تصوير الحركة منه. وهو ما يؤسس اتجاهات الحركة إلي يمين أو يسار الشاشة. ويمكن وضع الكاميرا في أي مكان، داخل نصف الدائرة المختار، على أحد جانبي هذا الخط الخيالي. وعلى الكاميرا أن لا تتخطى هذا الخط الوهمي في لقطتين متتاليتين.
فمثلاً: إذا ما كانت هناك سيارة تتحرك في اتجاه يمين الكادر, فيجب أن تظل في نفس هذا الاتجاه، في كل لقطة، حتى تصل إلى وجهتها النهائية, أو أن يكون أي انحراف، أو تغيير في الاتجاه، واضحاً للمتفرج. وإذا حصل ولسبب غير مبرر, وظهرت السيارة تتحرك في اتجاه شمال الكادر, سوف يبدو أن التغيير حدث بشكل مفاجئ، مما ينتج عنه شوشرة للمتفرج. لذا على المخرج أن يصور السيارة من الجانب الذي اختاره فقط, لأن العبور الخاطئ للخط الوهمي، سوف يخلق تغير غير مقصود في اتجاه الحركة، مما ينتج عنه خطأ في التتابع..
وعندما يكون هناك موضوعان داخل الكادر, يجب أن يمر الخط الوهمي بينهم, عندها يكون على المخرج أن يقوم بالتصوير من جانب واحد فقط من الخط. وحين يحتوى المشهد على مجموعة لقطات, قد يكون من المفضل تغيير اتجاه الشاشة من أجل التنويع. ولكن يجب أن تكون هذه التغييرات واضحة تماماً أمام المتفرج. وإذا تم تخطي الخط الوهمي , يجب أن يعاد رسمه، حتى يمكن المحافظة علي التتابع مرة أخري.
هناك خمس طرق لعبور الخط الوهمي مع الاحتفاظ بالتتابع..
أولاً: أن يغير الموضوع الذي يتم تصويره من اتجاهه أثناء التصوير, وهذا مقبول لأن المتفرج يرى بعينه حدوث تغيير الاتجاه على الشاشة.
ثانياًً: أن تعبر الكاميرا الخط الوهمي أثناء تصوير اللقطة, وهذا أيضا مقبول لأن المتفرج يرى بنفسه تغيير الاتجاه.
ثالثاًً: أن توضع لقطة خارج الموضوع Cutaway Shot، بين لقطات ذات اتجاهات مختلفة, وعندما تُستخدم اللقطة خارج الموضوع بين لقطتين لهما اتجاهين مختلفين، يمكن أن تخفي تغيير الاتجاهات، وبالتالي تحافظ على التتابع.
رابعاًً: أن تُستعمل اللقطة التفصيلية Insert Shot، بين لقطات ذات اتجاهات مختلفة, وهي لقطة تعمل تماماً كلقطة خارج الموضوع لتغطى تغير الاتجاه. خامساً: أن يتم كسر التتابع متعمداً, حيث أنه في بعض الحالات يمكن عبور الخط الوهمي لأن ذلك يعطى جمالاً للمشهد. ولأنه عادةً لا يُلاحظ المتفرج هذا الكسر في التتابع في مشاهد الحركة.
ولكن يمكن أن يسبب كسر التتابع في المشاهد الحوارية بعض المشاكل، لأن اللقطات غالبا ما تكون قريبة من بعضها، والاختلاف بينها يكون ملحوظاً. وبالرغم من أن المتفرج قد لا يستطيع تحديد المشكلة, إلا أنه يمكنه أن يشعر أن هناك شيئا خاطئاً أما المشاهد التي تحتوى على المطاردة، أو المواجهة بين شخصين، لذلك فهي تتطلب عناية فائقة.
فعند تصوير مشاهد مطاردة، يجب أن تُظهر اللقطات لجميع الشخصيات المطاردة، وهم يتحركون في نفس الاتجاه، لكي تبدو كمطاردة. و في المواجهة ينبغي أن تظهر الشخصيات المتحركة من اليمين تتحرك لتلاقي الشخصيات التي على اليسار والعكس صحيح.
ولا نغفل أهمية تتابع اتجاه النظر للشخصيات وهو جزء من أهمية أن يكون أداء الممثلين متطابقاً، من مكان إلي مكان، ومن لقطة إلي أخرى. وهذا يشمل حدة المشاعر، سياق الكلام, الإشارات، والتلميحات. وهذه مسئولية المخرج والممثل معا لضمان تتابع الأداء، وهناك عناصر أخرى تتعلق بمتتابعات أخرى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة