كاظم مرشد السلوم
بسبب العلاقة المباشرة للأفلام الوثائقية بالواقع، وتميزها بسبب هذه العلاقة الى حد ما عن الأفلام الروائية ، فقد كان لها سماتها الجمالية الخاصة بها، وقد تأسست هذه السمات وتميزت عن غيرها منذ الدهشة البصرية الأولى التي حققها الاخوان لومير في فيلمهما خروج العمال من المصنع، تلك الدهشة المبنية على مشاهدة الجمهور لصورة متحركة لجزء من واقع يومي يشاهدونه، لكنهم لم يتصوروا او يتوقعوا ان يوثق ومن ثم يعرض عليهم من خلال شاشة كبيرة، حيث أصبحت السينما ميدان سحر تتحد فيه العوامل السيكولوجية والبيئية لخلق أفق مفتوح أمام الدهشة والإيحاء، لذلك فإن السينما امتلكت التأثير الجمالي منذ لحظة ولادتها، وضمن لها هذا التوجه الجمالي القدرة على التأثير، خصوصا انها شكل من أشكال النتاج الفني الذي يستطيع انتاج الواقع بطرق جمالية ويبقيه ضمن حدود المنفعة المباشرة، وبما ان السينما عموما والوثائقية خصوصا، مؤطرة ببنية جمالية مؤثرة بالمتلقي، لذا فإنها أي السينما الوثائقية صالحة بشكل كامل لرواية حكاية من الواقع بشكل مباشر على نحو أفضل، ما يجعل الفن السينمائي يمتلك خصوصيته البنائية على المستوى الفني الانتاجي وعلى المستوى المكاني، حيث اوجدت الصورة السينماتوغرافية مستوى جديداً من العلاقات المكانية داخل الواقع لم تكن مألوفة او بمستطاع أي فن القيام بها، لذا كان لا بد من ان تتضح فيه قوة التأثير الجمالي على المتلقي لأن “الفن الذي يعجز عن التأثير في الناس فأنه أما فن رديء وأما ليس فنا على الاطلاق” .
ان ادراك المتلقي لجمال الفيلم لا يبتعد عن تذوقه لباقي الفنون، لان فكرة الجمال قد تكون موجودة ضمن مدركات الحس المادي أي في الشكل المادي، او الاحساس بالجمال الموجود في الصورة الفلمية، او قد
تكون موجودة أو منبثقة في داخل الفيلم فيدركها الحس الوجداني ويتجسّد هذا الحس بما هو جميل لذا يمكن القول ان الاحساس بالجمال في الفيلم السينمائي يمكن ان يتمثل من خلال نوعين هما:-
نوع من المحسوسات الجميلة المتجسدة في الصورة السينمائية والتي يمكن للحوا س ان تدركها، ومن ثم تستمتع بها لذاتها فقط وهوما يسمى بالإدراك الحسي.
النوع الثاني ناتج عن تصور تخلقه المعطيات الحسية التي يمكن ان تثير في الذهن صورا أو تفسيرات تستدعى من الخزين الفكري للإنسان وهو الجانب النفسي المستور.
الكثير من المنظرين السينمائيين اعتبروا ان جمالية السينما الوثائقية تأتي من خلال تناولها للواقع بدون تزييف، لكن البعض الأخر يقول رغم جمالية السينما الوثائقية، لكنها تستند أحيانا على عامل خطير لتأكيد هذه الجمالية وهو قدرتها على تزييف هذا الواقع أكثر من شقيقتها السينما الروائية.