لماذا لايستقر العراق 4-5

فوزي عبد الرحيم السعداوي

لماذا لا يستقر العراق     4 

معظم الحضارات العراقية القديمة تم القضاء عليها من قبل اما من جهة مايعرف حاليا بايران او من جهة ما يعرف بتركيا فالعراق سهل غني محاط بمناطق مرتفعة…

 لقد احتل الانكليز العراق في العام ١٩١٧ لاغراض استعمارية طمعا في ثرواته وللاستفادة من موقعه وقد يكون النفط الذي لم يكن قد استخرج بعد احد اسباب الطمع البريطاني في العراق(كان الغرب يعرف بوجود النفط في في المنطقة واهميته كسلعة استراتيجية) لذلك تحكمت بالعراق..

تحكمت بريطانيا بالسياسة العراقية وحسب ما تقتضيه مصالحها داخليا وخارجيا…داخليا اقامت نظام حكم تجاهل وجود الشيعة كاغلبية مما ادى الى مقاطعة رجال الدين الشيعة لنظام الحكم عادين العمل مع الحكومة حرام فعزل الشيعة انفسهم عن الحكم وانضم اعداد كبيرة من شبابهم الى احزاب المعارضة وسط شكاوى مستمرة من التهميش والتمييز الطائفي اثر على السلم الاجتماعي…كان لبريطانيا مصلحة في هذا الوضع…

لم تقدم على اي خطوة ولو صغيرة لحل القضية الكردية يوم كانت المطالب جدا بسيطة…ربط العراق باحلاف لا مصلحة له فيها وانما تخدم السياسة البريطانية والغربية عموما لتطويق الاتحاد السوفياتي..اعتماد البريطانيين على الاقطاع و كبار الملاكين لحكم العراق لسهولة انقيادهم لتنفيذ الرغبات

البريطانية لارتباط مصالحهم مع الانكليز وتجاهل طموحات ورغبات غالبية العراقيين..

لذلك لم يهتموا ابدا بموضوع التوزيع العادل للثروة لئلا يزعجوا حلفاءهم من الملاكين والاقطاعيين فانتشر الفقر ونشات بيئة ملائمة للتمرد الاجتماعي والسياسي.

اطلاق يد رجل بريطانيا في العراق نوري السعيد الذي تجاوز على الديمقراطية الفتية ليقيم حكم دكتاتوري ادى في النهاية الى انفجار ١٤ تموز ٥٨…لم يحتمل نوري السعيد اي شكل او درجة من المعارضة..

برغم اني لست متعاطفا مع النظام الملكي لكن الحديث عن ان انقلاب تموز تم بعلم الانكليز في صفحة من الصراع حول العراق مع الاميركان امر ممكن..الاميركان بدأوا بمد نفوذهم بالعراق منذ اوائل الخمسينيات وقد حاول فاضل الجمالي في اثناء توليه رئاسة الوزراء اخذ العراق بالاتجاه الاميركي…سئل طه البامرني وكيل آمر الحرس الملكي(لاحقا في العهد الجمهوري تم تعيينه آمرا للمقاومة الشعبية التي هي عبارة عن متطوعيين مدنيين يسيطر عليها الشيوعيون) لماذا لم تقاوم الانقلابيين وانت افضل منهم عدة واكثر منهم عددا؟اجاب احسست ان الانقلاب هو صراع بين الانكليز والاميركان ،ومما يدعم ذلك ان علاقات العراق مع بريطانيا ظلت جيدة في العهد الجمهوري في حين ان العلاقات مع اميركا كانت متوترة والحديث عن تآمر الاميركان متواتر…لقد ناصب الاميركان حكومة الزعيم قاسم العداء علنا وتآمروا في السر الى ان نجحوا مع حلفائهم من العراقيين بازاحة قاسم من الحكم وتصفية الحزب الشيوعي جسديا..

لماذا لا يستقر العراق     5 

انتهى حكم البعثيين في ١٨ تشرين الثاني ٦٣ اي بعد حكم ٩ شهور حيث جاء للحكم عبد السلام عارف الذي برغم رجعيته وطائفيته الا انه كان وطنيا معاديا للاستعمار..

لم يبق عارف في السلطة سوى سنتين ونصف قبل ان يقتل في حادث سقوط طائرته الهليوكوبتر في البصرة في حادث غامض لكنه في النهاية فتح الطريق البعث ليعود السلطة التي لم يكن ليراها لولا غياب عارف المعروف بشجاعته وكراهيته للبعثيين….خلف الفريق عبد الرحمن عارف شقيقه فاصبح رئيس العراق…انتهج عارف سياسة معتدلة في كل المجالات ومنح هامشا كبيرا من الحرية وقلل من اندفاع العراق باتجاه مصر لكنه اتبع سياسة نفطية وطنية وانفتح على الفرنسيين فابرم اتفاقا مع شركة ايراب …يقال ان اسقاطه كان بسبب ذلك…

عاد البعث للسلطة بطريقة مختلفة وبهدوء ممتطيا مجموعة من الضباط ذوي الخلفيات المشبوهة..كان انقلاب ١٧ تموز ٦٨ كامل المواصفات كعمل خططت له دوائر استعمارية فقد تم رصد تحركات لصدام والبكر باتجاه السفارة البريطانية في بيروت وبغداد..

كانت الاجواء في بغداد تتجه لليسار حتى سرت شائعات عن قرب حسم الصراع على السلطة لمصلحة اليسار ،حيث بدا يسيطر على الشارع من خلال بعض الممارسات كاضراب الطلبة حيث وفي نفس الوقت كانت مجاميع من الشباب اليساري تخوض كفاحا مسلحا ضد السلطة متخذين من الاهوار مقرا لهم…في هذه الاثناء كان حزب البعث يعيش عزلة فرضت عليه منذ سنة ٦٣ لكن فجاة تم كسر العزلة وظهر في التلفزيون خبر يقول..استقبل السيد الرئيس عبد الرحمن عارف السياسي احمد حسن البكر..الخ

كانت سلطة عارف ضعيفة جدا واكثر من طرف يتحرك لازاحتها حتى ان عبد الرزاق النايف جس نبض .الراحل فؤاد الركابي الامين العام للحركة الاشتراكية العربية( حركة القوميين العرب )عارضا عليه الاشتراك في الانقلاب الموعود لانه لم يكن يحبذ العمل مع البعثيين بسبب سمعتهم السيئة لكن الركابي رفض العرض …كانت مشكلة النايف انه لا يملك احدا في الشارع رغم انه شكل تنظيما باسم حركة الثوريين العرب…

لا حقا عرف سر اجتماع عارف والبكر حيث تسلم البعثيون ملف كسر اضراب الجامعات الذي فشلت اجراءات السلطة لانهائه ..

كنت شاهدا على فض اضراب الطلبه في تشرين ٦٧ حيث كانت تنظم احتفالية كل يوم في كلية فتجمعنا في منتصف المسافة بيننا وبين كلية الحقوق التي هي توام بنايتنا،وبينما احدهم يلقي قصيدة انطلقت رصاصات من الطابق الثاني لكلية الحقوق باتجاه المضربين…كان مطلق النار هو صدام حسين شخصيا بمعية عبد الكريم الشيخلي…تفرقنا مبتعدبن عن اطلاق النار فذهبت انا الى بوابة الكلية واذا بمدرعات عسكرية ترابط هناك..انظر للتنسيق جهة تطلق النار وجهة تؤمن ظهرها.

كان العد العكسي لاسقاط النظام قد بدا لكن وحدهم البعثيين اتخذوا ترتيبات عملية لذلك ..عاد البعث للسلطة هذه المرة برعاية بريطانية تحسبا وقطعا لطريق اليسار الذي كان جاهزا لتسلمها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة