جديد العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد كتاب “من يجرؤ على الكلام”
الحلقة 31
لعل أكثر التعريفات جزالة واختصارا بالكاتب والسياسي بول فندلي، ما قالته “هيلين توماس” عميدة المراسلين السابقة في البيت الأبيض، التي عاصرت عدداً من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، كان آخرهم باراك أوباما، اذ وصفته في مقالة مهمة عن الشرق الأوسط ب”الرجل صاحب الضمير الحي، الذي يجرؤ على قول الحقيقة”.
ولنضع تحت ” الذي يجرؤ على قول الحقيقة ” خطين، ففي اميركا يمكنك ان تقول أي شيء عن أي كان، حتى انه يمكنك ان تشتم الرئيس، لكن كل ما يتعلق بإسرائيل والعلاقة التي تربطها بالمسؤولين الأميركان، خط احمر.
هناك..حيث الديمقراطية وحرية التعبير، ثمة جهاز استخباري كامل، يعمل فيه إسرائيليون واميركان، وصهاينة، يسمى منظمة ” ايباك ” هذا الجهاز الذي تطلق عليه مفردة منظمة، هو الذي يسيطر ربما على نحو 90% من الاعلام الأميركي والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ان لم نقل اكثر.
وهذا الجهاز- المنظمة، حارب على الدوام اية حقيقة او محاولة لفضح العلاقات الأميركية –الإسرائيلية، او الاساليب التي تتبع للتأثير السلبي على الرأي العام الأميركي، بدعوى معاداة السامية، ولكنه – الجهاز – لم يتمكن من بول فندلي عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية الينوي لمدة 22 سنة، والذي نشر او كتاب له سنة 1985 بعنوان من يجرؤ على الكلامن وفضح فيه خفايا العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وتحدث ربما للمرة الأولى عن دور ايباك في اتخاذ القرارات المصيرية لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين، من دون وجه حق.
بعد صدور من يجرؤ على الكلام، لم يفز فندلي بعضوية الكونغرس مرة أخرى، بعد ان حشد ايباك لخسارته في الانتخابات، ولكن هذا الأمر لم يثن بول فندلي عن مواصلة الكتابة وفضح الحقائق في كتب عدة هي إضافة الى ” من يجرؤ على الكلام “، ” لا سكوت بعد اليوم “، و” اميركا في خطر “، والذي ضم مذكرات فندلي عن السياسة الأميركية إزاء إسرائيل، و “اللوبي الإسرائيلي” والسياسة الخارجية الأميركية” شارك في تأليفه عالما السياسة البارزان الدكتور “جون مرشماير” من جامعة شيكاغو والدكتور “ستيفن والت” من جامعة هارفرد، و” الخداع ” الذي نضع هنا بعضا منه بين يدي القاري الكريم..
تجدر الإشارة الى ان من ينتقد إسرائيل في اميركا، وتأثير اللوبي الإسرائيلي في صنع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، قليلون جدا وهذا ما دعا الكاتبة والمؤلفة “غريس هالسل”، الصوت القوي المطالب بالعدالة في الشرق الأوسط، تقول لفندلي قبل وفاتها “علينا التضافر معاً، لأننا قليل عديدنا، فما يزال عدد من هم على إستعداد لإنتقاد إسرائيل جهارا قليلاً، وعلى الذين يجهرون بالكلام أن يستعدوا لتلقي المعاملة الخشنة”.
بول فندلي
المستوطنات الإسرائيلية
الأسطورة
((إن حقنا في الأراضي (المحتلة) لايقبل الجدل))
اسحق رابين ، رئيس وزراء إسرائيل (1974-1977، 1992-)
بالرغم من تأكيدات إسرائيل لواشنطن في حرب عام 1967 بأنها لا تسعى للإستيلاء على الأراضي، وبالرغم من انذارات الأمم المتحدة بضرورة التخلي عن الأراضي المعتلة ، فإن إسرائيل سارعت إلى الإدعاء بأن القدس كلها ((عاصمتها الأبدية)) وإلى بسط سيطرتها على جميع الأراضي المحتلة.
لقد انتهت الحرب في 10 حزيران/ يونيو. لكن بحلول السابع والعشرين منه كانت اسرائيل قد قامت بالفعل بضم القدس الشرقية العربية؛ وفي 15 تموز/ يوليو، أقامت أول مستوطنة اسرائيلية في المناطق المحتلة ، هي مستوطنة ميروم هاجولان قرب القنيطرة في مرتفعات الجولان. وفي 24 أيلول/ سبتمبر أدلى ليفي أشكول رئيس الوزراء بأول بيان علني حول خطط الاستيطان الاسرائيلية، قال فيه بأن اسرائيل سوف تعيد بناء المستوطنات في منطقة عتسيون، وهي منطقة خصصت للعرب بموجب خطة التقسيم عام 1947. على أن الإسرائيليين كانوا قد سيطروا عليها قبل الحرب. وأضاف أشكول بأن إسرائيل تفكر في إعادة بناء مستوطنة تقع على شاطئ البحر الميت الشمالي الغربي ، وهي بيت هعرفا التي كان الفلسطينيون قد خسروها في عام 1948.
وبعد ذلك بيومين انتقدت الولايات المتحدة بيان أشكول قائلة بأنه بمثابة تغيير لموقف إسرائيل السابق ضد الاستيطان وأن إسرائيل لم تبلغ ذلك لواشنطن. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية بأن سياسة إسرائيل الجديدة تتعارض مع إعلان الرئيس جونسون في 19 حزيران/ يونيو بأن الولايات المتحدة تدعم وحدة وسلامة الأراضي في جميع المنطقة. وكان هذا الانتقاد هو توبيخ واشنطن العلني الثاني لإسرائيل خلال أربعة أيام. وحذر آرثر غولدبيرغ سفير أميركا لدى الولايات المتحدة قائلا: إذا أعمى النجاح أيا من الدول الأعضاء عن إدراك أن لجيرانها حقوقهم ومصالحهم الخاصة فإنها لاتخدم قضية السلام.
ولم تحل نهاية عام 1967 حتى كانت إسرائيل قد أقامت مستوطنات في أراضي مصر والأردن وسوريا المحتلة. وكانت قد صادرت 838 فدانا لبناء مستوطنات جديدة، وطردت مئات من العرب من الحي اليهودي في مدينة القدس القديمة ودمرت قرى عربية قرب أريحا، كما دمرت 144 بيتا في غزة، وشرعت سرا في إقامة أربع مستوطنات كبيرة في القدس العربية.
الأسطورة
((للشعب اليهودي الحق في استيطان الأراضي المحتلة))
مناحيم بيغن ، رئيس وزراء اسرائيل (1977-1983)
الحقيقة
منذ احتلال الأراضي العربية في عام 1967 وإنشاء المستوطنات يجري بخطى متسارعة بالرغم من إدانة العالم لها بوصفها غير قانونية، وبالرغم من تنديد مجلس الأمن وواشنطن المتكرر لها.
وقبل عام 1948، لم تكن هناك سوى سبع مستوطنات يهودية في الأراضي التي احتلت في عام 1967، وكان اليهود يملكون ما لا يزيد على 1% من الأرض في تلك المناطق. وبعد ذلك بربع قرن وردت الإحصائيات التالية في تقرير لوزارة الخارجية الأميركية في أيار/ مايو عام 1992: يوجد في القدس الشرقية العربية 1290 يهودي (بالمقارنة مع 155,000 فلسطيني)؛ يوجد 97,000 يهودي يعيشون في 180 مستوطنة في الضفة الغربية ويسيطرون على نصف أرضها؛ ويعيش 3600 يهودي في عشرين مستوطنة في قطاع غزة و 14,000 في ثلاثين مستوطنة في مرتفعات الجولان! . وورد في تقرير آخر أن إسرائيل قامت خلال الربع الأخير من هذا القرن بمصادرة أو نزع ملكية 55% من أراضي الضفة الغربية ، و42% من أراضي قطاع غزة، وكل مرتفعات الجولان التي كانت قد ضمتها إلى جانب القدس الشرقية العربية. كما سيطرت إسرائيل على جميع موارد المياه، وحولت الجزء الأكبر منها إليها أو إلى المستوطنين.
أضف إلى هذا، أن القوميين المتطرفين من اليهود مثل أعضاء حركة ((عطيريت كوحانيم)) التي تسعى إلى الاستيلاء على الحرم الشريف في المدينة القديمة باعتباره مكان هيكلهم القديم، راحوا يستوطنون ضمن المدينة القديمة بالقوة. وفي عام 1992 وبتشجيع من حكومة شامير، أصبح 600 مستوطن يهودي، معظمهم من طلاب اللاهوت، يعيشون في 55 موقعا خارج حدود الحي اليهودي التقليدية في المدينة القديمة، أي الأحياء المسيحية والأرمنية والإسلامية.
وفي عام 1987، استولى ارييل شارون وزير الاسكان في حكومة شامير، وأحد الزعماء المتطرفين، على شقة في الحي الاسلامي. وعبر عن موقفه بقوله: ((لقد وضعنا لأنفسنا هدفا يقضي بأن لا يبقى مكان في القدس الشرقية بلا يهود. وهذا هو الشيء الوحيد الذي يضمن وجود مدينة موحدة في ظل السيادة الإسرائيلية)).
وبلغ عدد سكان القدس كلها بما فيها القدس القديمة والقسم الشرقي العربي المحتل منها عام 1992 نحو 555,000 نسمة. وبلغ عدد السكان اليهود بينهم 400,000 نسمة بعد أن كانوا في عام 1967 وقبل الحرب نحو 196,000 نسمة. وارتفع عدد العرب في الفترة ذاتها من 70,000 إلى 155,000 نسمة. وكان سكان المدينة القدمة ٠٠٠ 28,000 نسمة بينهم 2600 يهودي.
الاسطورة
((إن المستوطنات اليهودية قانونية وشرعية وضرورية)).
بيان للحكومة الإسرائيلية
الحقيقة
ظلت كل إدارة في واشنطن، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، تعتبر إقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة انتهاكا لمعاهدة جنيف الرابعة، وبالتالي غير قانونية، إلى أن بدأ عهد الرئيس ريغن المناصر القوي لإسرائيل.
وكان تشارلز و. يوست سفير أميركا لدى الأمم المتحدة قد أعلن تلك السياسة في عهد نيكسون ولأول مرة بقوله: ((إن ذلك الجزء من القدس الذي وقع تحت سيطرة إسرائيل في حرب عام 1967، كغيره من المناطق، هو منطقة محتلة، وبالتالي يخضع لأحكام القانون الدولي التي تحدد حقوق والتزامات الدولة المحتلة)).
وفي 23 آذار/ مارس عام 1976 صرح وليم سكرانتون سفير الرئيس فورد لدى الأمم المتحدة في مجلس الأمن بأن مستوطنات إسرائيل في المناطق المحتلة غير قانونية، وأن ادعاء إسرائيل بأن جميع القدس لها ادعاء باطل. قال سكرانتون:
((تعتقد حكومتي أن القانون الدولي يحدد المعايير الملائمة [لمستوطنات إسرائيل]. فعلى أي محتل أن يحافظ بقدر الإمكان على المناطق المحتلة كما هي ومن دون تغيير ومن دون تدخل في الحياة المألوفة فيها؛ وإذا أحدث أي تغيير فيها فيجب أن يكون ضروريا لحاجات الاحتلال الفورية، وأن لا يتعارض مع القانون الدولي. فمعاهدة جنيف الرابعة تتناول بشكل مباشر قضية نقل السكان في المادة 49 التي تقول: ((على الدولة المحتلة أن لا تبعد أحدا أو تنقل قسما من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها؛ ومن الواضح إذا أن إعادة توطين قسم لا يستهان به من المدنيين الإسرائيليين في المناطق المحتلة بما فيها القدس الشرقية العربية غير قانوني بمقتضى المعاهدة، ولا يمكن اعتباره حكما يقرر نتائج المفاوضات في المستقبل بين الأطراف أو يرسم حدود دول الشرق الأوسط. والحقيقة هي أن وجود هذه المستوطنات في نظر حكومتي عقبة في سبيل نجاح المفاوضات من أجل سلام عادل ونهائي بين إسرائيل وجيرانها)).
وأثار بيان سكرانتون هذا احتجاجا اسرائيليا رسميا ردت عليه وزارة الخارجية بأن سكرانتون لم يفعل شيئا سوى أنه أعاد عرض السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ وقت طويل.
على أن إدارة كارتر كانت أكثر الإدارات ترديدا للبيانات المعارضة للمستوطنات. فالرئيس كارتر ووزير خارجيته سايروس فانس صرحا علنا بأن مستوطنات إسرائيل غير قانونية. وفي 21 نيسان/ ابريل ، عام 1978، بسط هربرت هانزل المستشار القانوني لوزارة الخارجية رسميا موقف واشنطن القانوني قائلا بأن المستوطنات تتنافى مع القانون الدولي، كما أكد أن معاهدة جنيف الرابعة تنطبق على الضفة الغربية وقطاع غزة بالرغم من ادعاءات إسرائيل عكس ذلك، لأن السيادة على تلك المناطق مسألة متنازع عليها.
ولم يخفت التعبير فجأة عن تلك السياسة إلا عند دخول رونالد ريغن البيت الأبيض وتصريحه المذهل في 2 شباط/ فبراير الذي قال فيه: ((لـم أوافق عندما أشارت الإدارة السابقة إليها بأنها غير قانونية… إنها ليست كذلك)). ولكن حتى ريغن نفسه أضاف إلى ذلك قوله بأن ((تكالب)) إسرائيل على إقامة المستوطنات عمل ((استفزازي بلا ضرورة)).
على أن وضع المستوطنات في سياسة ريغن ليس واضحا على الإطلاق. ولكنه كرر خلال إدارته الأولى والثانية، قوله بأنها ((عقبة في طريق السلام)). وفي تلك الأثناء ظل باقي العالم يعتبرها غير قانونية ويعلن ذلك. فالأسرة الأوروبية ظلت تعتبر ((المستوطنات اليهودية في المناطق التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، غير قانونية في نظر القانون الدولي)) وأن سياسة الاستيطان التي تتبعها إسرائيل تشكل ((عقبة متنامية بوجه السلام في المنطقة)).