الاف المنازل دمرت وملايين الحيوانات نفقت في حرائق استراليا الأخيرة

«حامل النار».. طائر الحدأة متهم بنشرها

بغداد – الصباح الجديد:

شهدت أستراليا حرائق واسعة النطاق بدأت قبل ثلاثة شهور ودمّرت حتى الآن ألفي منزل، وقتلت 25 شخصًا وما يقدّر بملايين الحيوانات. ما زالت الحرائق مستمرةً وتتوسع، وفي هذا السياق بدأ الحديث عن ظاهرة ملفتة للنظر في الطبيعة الأسترالية؛ إذ تقوم طيور جارحة بتوسيع نطاق النيران ونشرها بهدف الانتفاع منها.
وقدّر العلماء في جامعة سيدني أن يكون مليار حيوان قد نفق في الحرائق، ويشمل هذا الحيوانات الثديية والطيور والزواحف.
وقال الأستاذ في جامعة سيدني كريس ديكمان في بيان له إن «الدمار الجاري، وهو دمار سريع جداً في مساحة شاسعة جداً، لا يقارن بأي دمار آخر. إنه حدث فظيع على صعيد المساحة وكذلك عدد الحيوانات»، مشيراً إلى أن عامل الاحتباس الحراري خلف الحرائق.
وتابع «يُقال أحيانا إن أستراليا أشبه بعصفور يحتجز في منجم فحم لينذر بالخطر.. إننا نشهد على الأرجح في أستراليا ما ستكون نتيجة الاحتباس الحراري في مناطق أخرى من العالم».
وغطى الدخان السام الناجم عن تلك الحرائق سماء مدن رئيسة في أستراليا، مثيراً مخاوف صحية.
وعبر الدخان مسافة أكثر من 12 ألف كم إلى البرازيل والأرجنتين، على وفق وكالات الأرصاد في البلدين.
بعد أسابيع من الكفاح ضد الحرائق الهائلة التي اجتاحت شرقي أستراليا، يبدو أن الطبيعة تدخلت في الوقت المناسب لتصحح أوضاعها، وتخفف من خطر أزمة بيئية مستحكمة.
فقد أدت العواصف، التي هبت منذ الجمعة، إلى إخماد غالبية الحرائق التي كانت مندلعة في شرق أستراليا، على وفق ما نقلت «فرانس برس»، لكن حرائق أخرى ما تزال مستعرة في جنوب البلاد وجنوب شرقها.
وقالت دائرة مكافحة الحرائق في ولاية نيو ساوث ويلز، الأكثر اكتظاظا بالسكان في أستراليا، والأكثر تأثراً بالأزمة البيئية، ان عدد الحرائق كان نحو مئة قبل بضعة أيام، وقد تراجع، إلى 75.
وأضافت: «يتواصل هطول الأمطار في عدد من المناطق التي تضربها الحرائق»، موضحة أن «ظروفاً مواتية» من الأمطار، ودرجات الحرارة المنخفضة تساعد في إخماد ما تبقى من النيران.
وفي شمال البلاد، هبت عواصف ليل الجمعة السبت في ولاية كوينزلاند، متسببة بأمطار غزيرة مفاجئة أغلقت الطرق. ولم يسجل وقوع خسائر بشرية.
وبعد فترة طويلة من الجفاف وارتفاع الحرارة في شكل غير مألوف، انهمرت أمطار هي الأكثر غزارة منذ نحو 10 أعوام، في عدد من المناطق المجاورة لأكبر الحرائق.
لكن حرائق خارج السيطرة ما تزال مشتعلة،في جنوب نيو ساوث ويلز وولاية فيكتوريا المجاورة، إلا أن الأرصاد الجوية توقعت هطول أمطار غزيرة، الأحد والاثنين، تسهم في احتواء تلك الحرائق أيضاً.
ويستمر حريق في محمية جزيرة كانغورو، وأسفرت النيران عن نفوق عدد كبير من حيوانات الكوالا والطيور في هذه الجزيرة الجنوبية قبالة أديلايد.
وأسفرت أزمة حرائق الغابات في أستراليا عن مصرع 28 شخصًا، ونجمت خصوصاً عن الجفاف وارتفاع الحرارة في الأشهر الأخيرة وأتت على مساحات مترامية من الغابات العذراء في شرق القارة وجنوبها، ولم تنج الماشية في المزارع، ودمر نحو ألفي منزل.وحذرت السلطات أن الازمة قد تتفاقم مجدداً، لأن أستراليا ما تزال في «منتصف الصيف» على وفق طقس نصف الكرة الجنوبي.

الطائر حامل النار
أثبتت دراسات علمية أولية أنّ ثلاثة أنواع من الطيور، الحدأة السوداء والحدأة المُصفِّرة، والصقر البني، يعملون على توسيع نطاق النيران والحرائق. إذ تلتقط الحدأة السوداء غصنًا أو خشبة صغيرة مُشتعلة لترميها في منطقة سليمة بعد منطقة الحريق، لتشتعل فيها النار مجددًا، ويستمر خط الحريق.
يقول عالم الطيور العامل على توثيق هذه المشاهد في الدراسة، أنّ محاولات الطيور «ليست ناجحةً دائمًا، ولكنها تؤدي إلى الاشتعال أحيانًا». في حين وجدت دراسة أخرى أن بعض محاولات الطيور، فردي وبعضها جماعيّ، غالبًا ما تنجح، إذ تنشر الطيور النيران مستعملة مناقيرها أو مخالبها لحمل العيدان المشتعلة ورميها في مناطق أخرى.
تعكس تقاليد السكان الأصليين لشمال أستراليا سلوك هذه الطيور منذ وقت طويل، فمشاهد الطيور التي تشعل النار مألوفة في تراثهم الاحتفاليّ. وفي أحد احتفالاتهم المقدسة يظهر ممثل يؤدّي دور طير ينشر النيران وينقلها من مكانٍ لمكان آخر. فمن يعيش من الأصليين في شمال أستراليا يجدون هذا المشهد، نشر الطيور للحرائق، مشهدًا طبيعيًّا واعتيادياً. لكن هذا السلوك ليس مقتصرًا على شمال أستراليا، ويذكر الباحث الأميريكي بوب جوسفورد أن ظاهرة نشر النار متكررة في غرب أستراليا، وعلى ساحلها الشرقيّ أيضًا، ويشير إلى وجود أسراب تنشط معًا في بعض المناطق، وتظهر حول النيران الحيّة.
يعمل جوسفورد ورفاقه من العلماء منذ ستّ سنوات مع السكان الأصليين للشمال الأسترالي وإدارة مكافحة النيران لتوثيق سلوك الطيور توثيقًا علميًّا، وسجّلوا حتى الآن شهادات 20 مالكًا ومديرًا لأراضٍ من أهل الشمال.
هذه الظاهرة المثيرة تضيف للعلم شيئًا جديدًا. ألكس كاسيلنيك، مختص بمهارات الحيوانات في جامعة أكسفورد ببريطانيا، تحدث عن أنّ كثيرًا من «الحيوانات تعلمت الاستجابة للنار بالهرب أو باستغلال النيران باقتناص الفرائس الهاربة منها. ولكن هذه الطيور أظهرت نوعًا من التحكم في النار»، معتبرًا أن هذه المهارة تُشاهد لأول مرة لدى حيوانات غير بشريّة. وقال كاسيلنيك إن الطيور الصغيرة ستكتشف هذه المهارة لدى كبار السرب وستكررها باستمرار في مناطق مختلفة.

صقور النيران الجارحة
تعمل هذه الجوارح على نشر النار لهدف بسيط؛ إفزاع فرائسها من حيوانات وزواحف. لتهرب الأخيرة من النيران فتتحرك، وتنكشف أمامها، فتنقضّ عليها وتنالها فريسةً سهلة. أحيانًا تستعمل هذه الطيور النيران لمحاصرة فرائسها من عدة جهات، وفي معظم الأحيان لدفعها للهرب من النيران، إذ تنقل النار إلى المناطق الكثيفة عشبيًّا، وفور اشتعالها تنقضّ على الأفاعي والضفادع والسحالي، وأحيانًا تأكلها بعد احتراقها. لكن هذا التفسير لسلوك الطيور لم يُثبت علميًّا بعد، ولو أنّ رواية بعض السكان الأصليين أن هذه الجوارح تظهر مباشرةً عند إشعالهم للنار.
يذكر جوسفورد أن هذه الجوارح تتركز بالمئات حول خطوط النيران، وتُغِير عليها لتأخذ منها ما تشعل به أرضًا تبعد مسافة كيلومتر. «صقور النيران الجارحة» كما يسميها أهل المناطق الشمالية في أستراليا، تسهّل تجاوز الحرائق للحواجز الطبيعية، أو التي من صنع البشر، التي تمنع انتشار النيران، وتنقل الجوارح النار من الجهة المشتعلة وتعبر فوق جداول مائية تصد النار لتنقل الحريق إلى الجهة الأخرى.
يرجّح جوسفورد أن هذا الفعل مقصود، وأن الطيور تدرك أنها تنشر النار، مستبعدًا أن يكون هذا الفعل الجماعي، واسع النطاق، مجرد مصادفة. وفي حال ثبتت هذه الظاهرة علميًّا فقد تساعد في فهم كيف نشأت غابات وسهول السافانا، وربما نجد للطيور دورًا أهم من الإنسان في حرق هذه الأراضي وتطهيرها مما عليها.
لا تكتفي الطيور بنشر الحرائق الطبيعية، بل تسرق أعوادًا مشتعلة حتى من النيران التي يشعلها الناس. عاش السكان الأصليون في أراضيهم وتعاطوا مع الحرائق فيها منذ 50 ألف عام، ما منحهم تأقلمًا ومعرفة واسعة بالبيئة المحيطة بهم وبسلوكيات الطيور، ويشير الباحث الأسترالي مارك بونتا إلى أن هذه المعرفة مهددة بالاختفاء لعدم اهتمام الأجيال الجديدة من السكان الأصليين بها.

حان الوقت للتصحيح
ويرى الباحثون أن هناك أنواعاً مظلية من كلتا المملكتين الحيوانية والنباتية تحقق ذلك المفهوم بشكل أفضل.
ويأتي طائر الباز الأحمر الشمالي الذي يتبع رتبة الجوارح، ودب الكوالا وهو أحد أنواع الثدييات ويتبع جنس الدببة الجرابية من المملكة الحيوانية، ويأتي نفل المروج (نبات علفي يتبع الفصيلة البقولية) ونبات الكتان الأزرق (عشبي معمر موطنه أستراليا) من المملكة النباتية.
وبرغم من ذلك فإن خطة الحكومة لا تشمل أياً من تلك الأنواع، على الرغم من أن أستراليا ملزمة بمنع المزيد من انقراض الأنواع المهددة وتحسين وضع الحماية بحلول هذا العام.
يقول بوسنجام «الآن بالتحديد الوقت الذي تحتاج فيه الحكومات إلى جعل استثماراتها بالطبيعة فعالة بقدر الإمكان، ويمكن للدول أن تحسن بشكل كبير من اختيار الأنواع المظلية لإجراءات الحفظ من خلال الاستفادة من نهج تحديد الأولويات الشفاف والكمي والموضوعي».
ويضيف «مع أزمة انقراض الأنواع، والمواعيد الدولية التي تلوح في الأفق، والتمويل المحدود للمحافظة على البيئة على مستوى العالم، نحتاج إلى أساليب أفضل لتحديد أولويات استثمار الموارد في استرداد الأنواع بكفاءة».

مهمة سرية تنقذ « الشجر الديناصور» من الانقراض
في حين انقذت مهمة سرية نفذها عناصر إطفاء متخصصون من النيران آخر أشجار صنوبر ولومي في العالم وهي نوع يعود إلى حقبة ما قبل التاريخ ويعرف في أستراليا باسم «الشجر الديناصور».
ويوجد أقل من 200 من هذه الأشجار في البرية في ممر جبلي في الجبال الزرق المدرجة في قائمة التراث العالمي للبشرية التي اجتاحها واحد من أكبر الحرائق التي تشهدها أستراليا منذ اشهر. ومع اقتراب النيران من المنطقة في نهاية السنة، استعين بطائرات قاذفة للمياه لإلقاء مادة تؤخر الحريق لتشكل حزاما واقيا حول أشجار الصنوبر هذه. وانزل الإطفائيون متخصصون في الممر لإقامة نظام ري لتوفير الرطوبة للمكان على ما أفاد مسؤولون.
وقال مات كين وزير البيئة في مقاطعة نيو ساوث ويلز التي تشمل هذه الجبال إن العلمية «مهمة حماية بيئية غير مسبوقة».مع أن بعض الأشجار احترقت بألسنة النار إلا ان المنطقة انقذت من الحريق على ما قال في بيان.
وكان يعتقد أن هذه الأشجار التي تعود لأكثر من 200 مليون سنة قد اندثرت قبل العثور على حرج ولومي في العام 1994.وقد أبقي مكانه سراً لحماية الأشجار من أضرار قد يلحقها الزوار بها.
وقال كين إن «الزيارات غير القانونية تبقى تهديداً كبيراً لأشجار وليمي لأن ذلك قد يؤدي إلى إدخال أمراض قد تجتاح ما تبقى من أشجار».
وقد وزعت بعض الأشجار على حدائق نباتية عبر العالم للمحافظة على هذا النوع إلا أن حرج وليمي هو الوحيد القائم في البرية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة