بغداد – الصباح الجديد:
شهد عام 2019 الماضي، حركات احتجاجية في دول عدة حول العالم، انتهى بعضها بثورة كاملة، وبعضها بتسوية سياسية، أو اقتصادية، وما زال بعضها مستمراً حتى اليوم، أما البعض الذي بدا أنه خمد، فهو مثل كمون النار تحت الرماد، في انتظار الاندلاع مجدداً، سيما بعد ان باتت الشعوب أكثر حساسية في عصر حقوق الإنسان والوعي بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
القاسم المشترك الأعظم بين الحركات الاحتجاجية والثورات التي شهدها عام 2019 أنها اندلعت في دول تزعم أنظمتها أنها ديمقراطية، ففيها أحزاب سياسية، وانتخابات تشريعية، ورئاسية، ولكن هذه الأنظمة تموّه الطبيعة الاستبدادية القابضة في جوهرها بالقشرة الديمقراطية، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع والتمسك بمبدأ تداول السلطة، وليس هناك ديمقراطية، ولا انتخابات نزيهة، ولا تداول للسلطة.
الملمح الأساسي في الحركات الاحتجاجية عام 2019 أنها شعبية وعفوية، ولا قيادة لها، واستمر بعضها بهذه الصفة، وبعضها الآخر تولدت منه قيادات من الشارع، والبعض انضمت إليه أحزاب سياسية، والبعض الآخر تعاطفت معه المؤسسة العسكرية (القوات المسلحة)، أو القوى الأمنية (الشرطة والمخابرات)، وحظي بعضها بمساندة دولية، وبعضها استثمرت فيه دول خارجية إقليمية، أو دولية، لتحقيق أجنداتها الخاصة، وبالعكس تدخلت دول أيضاً لمنع التغيير، واستدامة الأنظمة المغضوب عليها جماهيرياً، خشية فقدان نفوذ حقيقي، أو ولاء مفترض.
اكثر الاحتجاجات وقعا على مستويي الاعلام والسياسة التي حدثت العام الماضي كانت في اربع دول هي السودان، والجزائر، ولبنان، والعراق، وتزامنت هذه الاحتجاجات مع نظيرات لها أيضاً في عدد من الدول حول العالم، من هونج كونج إلى بوليفيا، وشيلي، والإكوادور، وغينيا، واكتسبت احتجاجات في أوروبا قوة على وقع مد الشارع العربي، كما في حركة «السترات الصفراء» في فرنسا كل سبت، من كل أسبوع، وفي بريطانيا على خلفية عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حركة احتجاجية فوق قطرية، وهي مسيرات الجمعة الأسبوعية للضغط على الحكومات للتحرك من أجل إنقاذ كوكب الأرض الذي يهدده التغير المناخي بأوخم العواقب.
فما الذي جعل الجماهير تغضب، وتثور، وتنزل إلى الشوارع في الخرطوم، والجزائر، وبغداد، ولبنان، وهونج كونج، ولاباز، وكيتو، وسانتياغو، وكراكاس، وبرشلونة، والعواصم حول العالم، إلا إذا كانت الشعوب التي لم تعد تثق بحكوماتها ولا تؤيد سياساتها، ولا تراها جديرة بالحكم، قد فاض بها الكيل، ولم تسعفها الأنظمة السياسية والبنية القانونية والدستورية في الحصول على حقوقها المشروعة، فلم يعد من باب إلا الخروج إلى الشوارع، وممارسة الحق في الاحتجاج، والمطالبة بالتغيير.