هل تغير العالم ؟ وهل باتت الشعوب تعرف طريقا آخر غير التظاهرات والاحتجاجات للتعبير عن ارائها ومواقفها من السلطة ؟ الجواب ببساطة يقول ان الدخول الى الالفية الثالثة حمل معه آخر تقنيات تكنولوجيا الاتصال وان المواقع الالكترونية قربت المسافات الى اقصر مدة زمانية ومكانية وان وسائل التخاطب المباشرة اثمرت عن تأسيس عوالم جماهيرية تتدفق فيها المعلومات وتتبادل فيها الآراء بكل حرية وان وسائل القمع والمنع التي تمتلكها انظمة السلطة لم تعد قادرة على اغلاق جميع النوافذ وان الفرص تضييق امام دعاة الاستبداد والمركزية ومن يتمعن في خرائط التغيير التي صاحبت التحولات على مستوى الشعوب والدول يدرك جيدا الاثار الكبيرة التي تركتها التكنولوجيا الرقمية والانعكاسات على الرأي العام الجماهيري واصبح من الطبيعي ان تكون الادوات الرقمية وسيلة فاعلة لاحداث التغيير وقد شهد العالم على مدى العقود الاخيرة سلسلة من الاحتجاجات والتظاهرات المليونية في عدد من دول العالم مدفوعة بتناغم كبير مابين العالم الرقمي ووسائل الاعلام الجماهيرية الاخرى لم يستطع قادة وملوك ولم تستطع حكومات واجهزة امنية من الوقوف بوجهها وكان للعالم العربي الحصة الاكبر من الحركات الاحتجاجية هذه حيث شهدت تونس ومصر والسودان وسوريا والبحرين واليمن ولبنان والعراق والجزائر تظاهرات اسقطت عددا من الانظمة السياسية فيها وماتزال بعض هذه الدول تشهد حركات احتجاجية تطالب بانهاء الفساد في منظومة السلطة وتستهدف في مطالب اخرى تحسين الاوضاع الاقتصادية والمالية للشعوب العربية ووقف الانتهاكات التي تتعلق بحرية التعبير عن الرأي وتوفير فرص العمل لملايين العاطلين من العمل وفي العراق تستمر حركة التظاهر والاحتجاج وتتصاعد وتيرتها مع فشل النظام السياسي في التعاطي الايجابي مع هذا الحراك الجماهيري ويمكن القول ان تجربة الاحتجاج والتظاهر في المحافظات العراقية اصبحت سمة بارزة من سمات الرفض الجماهيري للأداء السياسي واستفتاء حقيقيا يكشف تراجعا عن التأييد لما ورد في عدد من التشريعات التي تضمنها الدستور العراقي ولابد لحركة الاحتجاج والتظاهر هذه ان تثمر عن حصول تغيير كبير في المسارات التي ينتهجها النظام السياسي الجديد في العراق الذي كان يريد في شعاراته تعويض العراقيين عن حقب الظلم والتهميش خلال العهد المباد وفي المثال العراقي لايمكن اغفال التأثير الكبير للناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج الشارع العراقي ودفعه للمطالبة بالتغيير وقد استشعرت حكومة عبد المهدي هذا التأثير فأقدمت على حجب خدمات الانترنيت من دون ان تعي ان هذه الخطوة تسببت بنتائج عكسية على مستوى التطمين والتهدئة لحركة الاحتجاج والتظاهر وقد اثبتت الايام الاخيرة غياب النضج والدراية للقادة السياسيين في هذه البلاد في التعامل مع المعارضة الشعبية للسياسات العامة التي تسببت بحصول كم كبير من المشكلات والازمات وصار الجميع يبحث عن المنقذ والمخلص وسط هذا الانحدار الكبير .
د. علي شمخي