خافير سولانا
مدريد- بتاريخ الثاني من تشرين الاول اكتوبر تحل الذكرى السنوية الاولى لجريمة القتل الوحشية في اسطنبول للصحفي السعودي جمال خاشقجي وفي حزيران يونيو من هذا العالم خلص تقريرا للأمم المتحدة الى نتيجة مفادها ان السعودية كانت مسؤولة عن موته وان هناك «ادلة ذات مصداقية « تورط القائد الفعلي للبلاد ولي العهد محمد بن سلمان في قتله بالقنصلية السعودية.
وعليه لم يكن من المفاجئ ان تعاني صورة السعودية عالميا خلال الاشهر الاثني عشرة الماضية ولكن لم يكن من المفاجئ كذلك انه عندما هدأت العاصفة التي تسببت بها جريمة مقتل خاشقجي فإن بعض العوامل الاقليمية المعروفة اعادت فرض نفسها.
إن أهم نكسة للنظام السعودي خلال العام الماضي كانت تتعلق بالحرب الدائرة حاليا في اليمن وهي واحدة من المسارح الرئيسة للصراع الاقليمي بين السعودية وايران ولغاية الان في 2019 تبنى الكونغرس الاميركي عدة قرارات اتفق عليها الحزبان تستهدف ان تنأى الولايات المتحدة الاميركية بنفسها عن التدخل الذي تقوده السعودية باليمن والذي جاء بتحريض من محمد بن سلمان نفسه وعلى الرغم من ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب استعمل الفيتو ضد تلك القرارات فإنها تظهر ان الطبقة السياسية في اميركا قد اصبحت أقل تسامحا مع انتهاكات النظام السعودي وخاصة منذ جريمة مقتل خاشقجي .
إن الامارات العربية المتحدة مدركة كذلك للمخاطر على سمعتها بسبب تحالفها الوثيق حاليا مع السعودية ومع وجود هدف اضافي بتخفيف التوترات مع ايران ، لجأت الامارات الى سحب معظم قواتها من اليمن وما يلفت النظر ان الانفصاليين الجنوبيين في اليمن المدعومين من الامارات تمكنوا من الاستيلاء على العاصمة المؤقتة للبلاد من القوات الموالية لحكومة عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية وعلى الرغم من ان من غير المرجح ان تكون تحركات الامارات مؤشرا لتغيير استراتيجي جذري ، إلا ان من الواضح ان النظام السعودي هو اكثر عزلة واضعف من أي وقت مضى.
وفوق هذا كله، تعرضت السعودية مؤخرا لهجوم خطير ضد مصفاتين تعود ملكيتهما الى شركة النفط الوطنية ارامكو السعودية وعلى الرغم من ان الثوار الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجمات، اتهم اعضاء بارزون من ادارة ترامب إيران بالمسؤولية المباشرة. لقد أثرت تلك الهجمات على نصف انتاج السعودية من النفط (أي 5% من الانتاج العالمي اليومي) مما أدى الى صعود كبير في اسعار النفط. ان تراكم النكسات يجب ان يدفع السعودية لإعادة النظر في تدخلها باليمن-وهو عبارة عن فشل ذريع في السياسة الخارجية وبتداعيات مأسوية على الوضع الانساني.
لكن الاشهر 12 الماضية لم تحمل كلها اخبارا سيئة للسعودية فعلى الرغم من التأخير في خطط الحكومة لإدراج ارامكو في سوق الاسهم، فإن هناك اشارات واضحة على ان النظام يحتفظ بثقة المستثمرين واستعدادا للطرح العام الاولي الذي طال انتظاره، قام محمد بن سلمان بتعيين شركاء مقربين على رأس كلا من ارامكو ووزارة الطاقة ولأول مرة فإن الوزارة قد اصبحت الان تحت قيادة عضو من العائلة المالكة في السعودية (الأخ غير الشقيق لمحمد بن سلمان).
إضافة الى ذلك ، فإن العلاقات بين السعودية وادارة ترامب ما تزال دافئة وعلى الرغم من ان التحالف الاميركي- السعودي يرجع الى 75 سنة مضت ، فليس كل الرؤساء الاميركان اظهروا نفس الاخلاص لتلك العلاقة فعلى سبيل المثال دعم باراك اوباما التحالف المدعوم من السعودية في اليمن ولكنه استثمر بنحو كبير كذلك في الاتفاق النووي مع ايران لسنة 2015 والذي تعارضه السعودية ولكن ترامب لم يحاول ان يحبط تلك الاتفاقية من خلال سحب الولايات المتحدة الاميركية منها فحسب، بل انه لم يحاول بالمرة ان يحتوي اسوأ اندفاعات محمد بن سلمان فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
ان هناك زعيم اقليمي اخرى استفاد بنحو كامل من تواطؤ ترامب في الاقل حتى الان: رئيس الوزراء الاسرائيلي بينامين نتنياهو ففي عشية الانتخابات الاسرائيلية المكررة الاخيرة ، كان ترامب يدرس فكرة ان يعرض على نتنياهو اتفاقية دفاع مشتركة وفي الوقت نفسه قرر نتنياهو تعزيز وعوده بضم اجزاء من الضفة الغربية حيث يشكل ذلك دليل اخر على ازدراءه الكبير للقانون الدولي ولكن دعم ترامب كان بشكل او بآخر اقل قوة هذه المرة كما فشلت تكتيكات اللحظة الاخيرة لنتنياهو فلقد فاز حزب الليكود بمقاعد اقل مقارنة بالانتخابات السابقة والتي جرت قبل خمسة اشهر مما ترك مستقبل نتنياهو السياسي غامضا.
على الرغم من ان البعض قد يعتبرون اعلانات نتنياهو الجريئة على انها تبجح انتخابي تستهدف صرف الانتباه عن مزاعم الفساد المتعددة ضده فإن الحقيقة هي ان التوسع والعدوانية هما من اهم مبادئ سياسته الخارجية فمؤخرا كانت هناك اشتباكات متكررة بين اسرائيل وإيران في لبنان وسوريا وذلك بنحو مباشر او من خلال المجموعات التي تعمل لصالح إيران. ان الوضع في لبنان على وجه الخصوص متقلب فلقد بدأت اسرائيل وحزب الله بتجاوز الخطوط الحمر مع ما قد ينتج عن ذلك من خطر نشوب صراع مفتوح اخر يمكن ان يتردد صداه في طول المنطقة وعرضها. لقد هدد نتنياهو بالفعل قبل عدة سنوات بجر الولايات المتحدة الاميركية للحرب مع ايران وبينما كان موقف اوباما ثابتا وأصر على الجهود الدبلوماسية والتي نتج عنها الاتفاق النووي ، ارتكب ترامب خطأ وهو قيامه على الفور بتسليم الموضوع لنتنياهو، ونتيناهو وجد حليفا آخر في شخص مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون علما ان وصوله للبيت الابيض عجّل من الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي.
لكن بولتون ترك مؤخرا ادارة ترامب بعد سلسلة من الخلافات مع الرئيس ففي نهاية المطاف لا يريد ترامب ان يكون متورطا في العديد من الصراعات الخارجية قبل الانتخابات الرئاسية سنة 2020 وفي واقع الامر فكر ترامب مليا في التفاوض مع القيادة الايرانية وحتى انه كان متقبلا في لحظة ما، لخطة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتخفيف المشكلات المالية الايرانية مقابل استمرار الجمهورية الاسلامية في التقيد بجميع التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.
لو اراد ترامب ان يحظى التقارب الدبلوماسي مع إيران بأي فرصة للنجاح فإنه يتوجب عليه التخلي عن المقاربة القائمة على حب الظهور والنزعة الشخصية والتي تم توظيفها مع زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ اون وإضافة الى ذلك يتوجب على ترامب عدم اتباع سياسات متناقضة وذلك كما فعل هذا العام عندما فرضت ادارته عقوبات على زعيم الدبلوماسية الايرانية محمد جواد ظريف.
أن ظريف نفسه يعزو تقلبات ترامب الدورية المتعلقة بالسياسات الى فريق ب اي بن سلمان وبينامين نتنياهو وبولتون ومحمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي وعلى الرغم من تمكن الاول من النجاة من عاصفة خاشقجي، أصبح الثاني أكثر ضعفا بكثير والثالث غرق والرابع تحرك باتجاه الهامش. ان السؤال المهم الان هو ما إذا كان اضعاف تحالف ترامب المعادي لايران سيكون كافيا للبدء في تغيير ايجابي في المنطقة وهو تغيير تحتاجه المنطقة بشكل كبير.
خافير سولانا عمل في السابق كممثل اعلى للسياسة الخارجية والامنية في الاتحاد الاوروبي وامين عام حلف الناتو ووزير خارجية اسبانيا وهو يعمل حاليا كمدير لمركز ايساد للاقتصاد العالمي والشؤون الجيوسياسية وهو زميل متميز في معهد بروكنغز وعضو في مجلس الاجنده العالمية عن اوروبا والتابع للمنتدى الاقتصادي العالمي.
بروجيكت سنديكت
www.project-syndicate.org