فيلم» زد لزكريا»
عبد الكريم قادري – الجزائر:
استطاع المخرج الأمريكي كريج زوبيل في فيلمه « Z For Zachariah» المقتبس من رواية تحمل نفس العنوان للروائي روبر أوبراين، أن ينقل حجم ما تؤدي له الحرب النووية، دون أن يصورها أو ينقلها بالمؤثرات الخاصة، لتكون الكارثة بالنسبة له سؤال يُطرح بطريقة «كيف سنعيش المستقبل.؟، دون أن يكلف نفسه عناء الرجوع إلى الماضي القريب ومعرفة دوافع الكارثة ومسبباتها، واكتفى بنقل انفعالات النفس البشرية وتطلعاتها، عن طريق ثلاثة ناجين من هذا الكارثة النووية التي حلت بالبشرية، وكأننا بالمخرج يرفع التحدي مع الأفلام ذات الميزانيات المرتفعة، التي تنقل فكرة نهاية العالم، وحلول الدمار بالأرض، عن طريق الحروب والزلازل والفيضانات والفيروسات، كل هذا يتم عن طريق المؤثرات البصرية المبهرة، التي تدخل المشاهد في خضمها وتجعل منه جزءا من هذا الدمار، لكنها في نفس الوقت لا تهتم بانفعالاته المختلفة، بعاطفته اتجاه الأشياء، لتركيزها على الصورة المبهرة أكثر من الممثلين، وهذا ديدن معظم الأفلام الحديثة التي اهتمت بهذا الجانب، على غرار أفلام كل من «زد» و»جاذبية» و» 2012» و»انترستيلر»، وغيرها من الأفلام، على عكس هذا الفيلم « ز لزكريا» الذي اعتمد فيه كريج على الميزانية المنخفضة، مع اختيار طريقة معالجة بسيطة وعميقة، تظهر حجم الكارثة وطبيعة النفس البشرية لبناء المستقبل.
في البدء كانت الغيرة وفي الانتهاء
اختار المخرج طبيعة نيوزيلندا الساحرة لتصوير مشاهد هذا الفيلم، الذي كانت بداية تشكله من خلال تصوير آن (مارجوت روبي) وهي ترتدي قناعا ولباسا يحمي من التلوث والإشعاع، تدفع عربة تبضع في أحد شوارع مدينة صغيرة خاوية من السكان، تدخل مكتبة تأخذ منها بعض الكتب، ثم تتوجه بعدها إلى منزلها أعلى الجبل، حيث تنزع ألبسة الحماية وتأخذ حماما وقائيا خشية أن يكون قد أصابها أي من مخلفات الإشعاع، لتبدأ بعدها في ممارسة طقوس الحياة، وهي تظن بأنها الناجية الوحيدة من هذه الحرب النووية، في مكانها المعزول هذا الذي لم يتلوث إشعاعيا، لظروف ما، فسرتها على أنها دينية بحتة، نتيجة ورع والدها وتقواه وثقته في الله، على عكس العالم جون لوميس (شيوتيل إيجيوفور) الذي ظهر في حياتها فجأة، هذا الأخير أوعز الأمر على أنه لا يعدو أن يكون بسبب التركيبة الجغرافية للمنطقة.
كان لظهور جون المفاجئ في الجبل وقع مختلف لآن، حيث توجست خيفة أولية منه، واكتفت بمراقبته من بعيد، بعد أن نزع لباسه الذي يحميه من الإشعاع وكله غبطة لعثوره على منطقة غير ملوثة، وهذا ما أظهره جهازه لكشف معدل الأشعة، ليتوجه بعده إلى شلال قريب ويبدأ في السباحة تحته، ومن هنا ظهرت له آن موجة سلاحا ضده، وأخبرته بأن الشلال ملوث لأن منبعه من أسفل الوادي، أخرجته من ذلك المكان وأعطته حقنة من دوائه وقامت بتنظيفه جيدا ووضعته على الفراش، منهك القوى لكنه في الأخير أنقذ من الإشعاع.
أخذت حياة آن الجميلة والساحرة منحى جديدا مع جون، إذ كان آخر تواصل لها مع بني جنسها منذ فترة، بعد أن رحل أخوها ووالدها الورع، في خطوة منهما للبحث عن ناجين من الكارثة لاصطحابهم إلى قريتهم التي لم يمسها التلوث، في خطوة إنسانية كبيرة، لكنهما لم يعودا، ليخلق لها جون أملا جديدا، حيث كان هذا المنهك المريض يراقب نشاطها الفلاحي، من خلال حرث الأرض وزرعها، حلب البقرة، اعتناءها بالدجاج، خلقها لحياة جديدة كليا، ليتعافي في الأخير ويبدأ في عملية فهم كلي للمنطقة، لتبدأ فكرة المستقبل التي ولدتها حاجتهما لطاقة المولد الكهربائي المعطل، والذي يشغل «الإفريز» لحفظ الأغذية، ومن هنا يأتي دوره كعالم لبناء طاحونة لخلق الطاقة من الشلال.
ضيف غير مرحب به
في الدقيقة الخامسة والأربعين أي منتصف المدة الزمنية للفيلم ظهرت شخصية جديدة، متمثلة في ناج جديد عثر على المنطقة النقية من التلوث، وهو كاليب (كريس باين)، الذي كان يراقب تصرفاتهما لمدة قبل أن يظهر لهما، ما كثف من أحداث القصة وجعلها تأخذ بعدا تصاعديا آخر، ويؤجج نيران الغيرة لجون الذي لم يكن يبالي تقريبا بآن، التي ارتمت في أحضانه أكثر من مرة ورفض، لكن مشاعر حبه لها تأججت مع ظهور كاليب، ما خلق لهيب الغيرة الطاحنة، والصراع الخفي للفوز بقلب المرأة الوحيدة على الأرض، من هنا ارتمت آن في حضن كاليب، ليس لأنها تحبه بل لحاجتها الجنسية، وفي خضم هذا استغل كاليب حاجة العالم جون لخشب الكنيسة لبناء طاحونة توليد الكهرباء، لتأليب آن على مشروعه، خصوصا وأنه يعرف القيمة الدينية والحميمية وإيمان آن بدور الكنيسة كبيت للرب.
صراع الدين والعقل
أعاد الفيلم» Z For Zacharia» 2015، إظهار ثنائية الصراع القديم الجديد بين الدين والعقل، الأول تمثله آن والثاني يمثله العالم جون لوميس، وهذا في العديد من المشاهد، منها حاجة جون لخشب الكنيسة، وهذا ما جعل آن ترفض مبدئيا، حيث قالت له بأن هذه الكنيسة هي التي حمت المنطقة من التلوث، ليكون رده بأنه ربما يكون خشب الكنيسة طريقة أخرى للرب لبناء المستقبل، وفي مشهد آخر داخل المكتبة حيث يأخذ جون أحد الكتب بعنوان «آدم» ينظر له ظاهريا ثم يضعه جانبا، ليحمل كتاب آخر ويتدارسه، وكأنه يقول بأن الدين لا يبني المستقبل، ناهيك عن شكر الرب عند كل وجبة طعام من طرف آن، على عكس جون، أما كاليب فهو يشكل الشخص الانتهازي، حيث يبين لآن بأنه مؤمن، لكن في الواقع غير مبالي تماما، وهذا ما يظهر مشهد هدم الكنيسة حيث سارع مباشرة إلى نزع الصليب، ليكون الفيلم بمجمله صراع بين العلم والدين، الأول الذي خلق القنابل النووية وقضى على الجنس البشري، والثاني الذي حمى الجنس البشري ليُعاد تشكيل البشرية من جديد، ناهيك عن التناص الكبير بين أحداث الفيلم وقصة آدم وصراع هابيل وقابيل من جديد.
ثلاثة ممثلين وقصة
جعل المخرج نهاية الفيلم مفتوحة، ولم يُظهر إن كان كاليب قد قُتل على يد جون عند تشغيل الطاحونة آو رحل فعلا حسب رواية الأخير، وهل صدقت آن هذه الرواية فعلا، كيف أصبح إيمان جون بعد أن أعاد خلق كنيسة جديدة لآن، هي أسئلة وأخرى تركها المخرج لجمهور المتلقين، كل واحد يفسرها على طريقته.
فيلم «ز لزكريا» من الأفلام القليلة التي جمعت بين المتعة البصرية والعاطفة، حيث استغلّ المخرج كريج زوبيل قصة مميزة لروائي أوبراين، وثلاثة ممثلين مكرسين إعلاميا، وهم النجمة الأسترالية الصاعدة (مارجوت روبي) التي قدمها سبيلبرغ في فيلم « ذئب وول ستريت» ، والممثل البريطاني ذو الأصول النيجيرية (شيوتيل إيجيوفور) صاحب جائزة الأوسكار، عن دوره المهم في فيلم «12 عاماً من العبودية»، ناهيك عن الممثل (كريس باين) الذي اشتهر من خلال سلسلة «ستارك»، ليقدم عن طريق قصة وثلاثة ممثلين تحفة فنية.