لم يكونوا لصوصا على الأطلاق لكنهم لفرط أمانتهم على الظلام يسرقون المصابيح فقط

وبما أن السينما ببساطة هي عبارة عن مصباح يسلط ضوؤه على الواقع عارضا ما يتحويه هذا الواقع من قبح وجمال، من خير وشر، من حب وكره، فهم يحرصون على منع اي ضوء ممكن أن يكشف كل ذلك
السينما صناعة وفن، صناعة تخضع لحسابات السوق ودلالة شباك التذاكر، واي صناعة تحتاج الى بنى تحتية لقيامها ونجاحها والارتقاء بها . وتشكل دور العرض السينمائي اهم هذه البنى .
ولو استعرضنا وبشكل سريع تاريخ وواقع دور العرض السينمائي لهالنا حجم الخراب والضرر الذي تعرضت له بسبب عديد الحروب والويلات التي مر بها ، يذكر المؤرخ جورج سادول في كتابه ( تاريخ السينما العالمية ) ( انه في عام 1949 كان سكان العراق خمسة ملايين، ويضم 71 دارا للسينما. وبلغ معدل التذاكر للفرد الواحد من 4-5 تذكرة سنويا ، وهو معدل عال بالنسبة للعالم العربي، وفي العام 1960 كان هناك 85 دارا دائمه تعداد مقاعدها مائة الف مقعد.
ان هذا الرقم يشير الى التطور الهائل في ناحية بناء دور العرض وتردد ا لمشاهدين عليها.
كانت دور العرض السينمائي تقدم للمشاهد، المتعة والفائدة في آن واحد، فبالإضافة الى متعة المشاهد كانت الافلام ذات المناشئ العالمية المختلفة توفر للمشاهد فرصة الاطلاع على ثقافات عديدة’، لم يسبق له ان اطلع عليها، وبالتالي قد تكون هذه المشاهدة تشكل له بديلا عن وسائل اخرى للاطلاع كالسفر او القراءة او غيرها.
وكثيرا ما تأثر مشاهدو السينما بالأفكار التي تطرحها الافلام، خصوصا افلام الصراع الطبقي، والصراع الاجتماعي، والافلام التي
تحمل صراعا ذا بعد نفسي. كذلك الافلام التي تحمل افكارا واهدافا سياسية، خصوصا وان فترة الستينات شهدت مدا يساريا واضحا، انعكس على نتاج العديد من الشركات السينمائية. وقد وصل صالات العرض العراقية العديد منها، مثل فيلم ( زد ) ، ( الفراشة ) ، ( اضرابات الطلبة ) ، ( اغتيال المهدي بن بركه ) وغيرها.
كذلك اوجدت دور العرض السينمائي تقاليد اجتماعية وثقافية. بل كانت ومنذ بداية انشاءها تعتبر واحدة من المصادر الغنية للفرد العراقي في معرفة الاخر. كذلك شكلت هذه الدور طقوسا خاصة ورائعة مازالت حاضرة في ذاكرة العراقيين التي تحتفظ بعبق تلك الليالي والامسيات الجميلة.
ونادرا ما نجد مواطنا في العقد الرابع من العمر لا يتذكر دور العرض السينمائي والافلام التي شاهدها وبقيت عالقة في ذاكرته الى الان.
لم يتبقى من صالات العرض القديمة الا بقايا أطلالها، واعتقد ان اللصوص لا يريدون لها ان تعود الى سابق عهدها، بسبب التأثير الكبير لها، وهذا ما يقلقهم.

النص للشاعر جمال جاسم أمين

كاظم مرشد السلوم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة