ما نريده من موازنة العام القادم

تتمثل أهمية قانون الموازنة العامة للدولة العراقية، بأن جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية تعتمد على إقراره بنسبة كبيرة في تسيير شؤونها ومرافقها، فقانون الموازنة، هو المحرك الأول والأساس لعجلة الاقتصاد العراقي، وبدونه لا يمكن لأي وزارة أن تدير شؤونها، لذلك فإن الدستور أشار الى أن مجلس النواب لا يتمتع بأي عطلة تشريعية ولا ينتهي الفصل التشريعي الذي تصادف فيه مناقشة قانون الموازنة إلا بعد التصويت عليه من قبل المجلس. ولما للموازنة من أهمية كبيرة في الحياة اليومية للناس ودوائر الدولة، فكان لابد من وجود مختصين في القانون والاقتصاد والنفط وجميع الجوانب لغرض الاشتراك في إعداد مشروع قانون الموازنة، كي يتم ضمان حقوق مؤسسات الدولة والمحافظات المنتجة وغير المنتجة للنفط، وصولا الى التوزيع العادل للثروة ومنعا لاستئثار جهة دون اخرى على واردات النفط.
موازنة العام الحالي، وللأسف تضمنت الكثير من الهفوات التشريعية والاخفاقات التي أدت الى خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في توزيع الواردات على مستحقيها. ومن اهم الاخفاقات التي تضمنها قانون الموازنة لهذا العام، هو مسألة العلاقة بين الاقليم والمركز، ونسبة صادرت الاقليم وما يجب عليه دفعه لبغداد مقابل، التزام بغداد بتسديد رواتب موظفي الاقليم. القانون الحالي أشار الى أن على أربيل تسليم واردات ما لا يقل عن 250 ألف برميل الى بغداد مقابل رواتب الموظفين، وهذا النص يؤخذ عليه عدم وجود إلزام للجانبين وهو ما استغله الاقليم كي يمتنع عن تسديد واردات ال250 ألف برميل، إضافة الى ما أثير عبر وسائل الاعلام من أن هنالك تلاعبا في قانون الموازنة، حيث أقحم نص يلزم بغداد بتسديد رواتب الموظفين مهما كانت الظروف، أي حتى لو لم تسدد أربيل ما بذمتها من واردات الصادرات النفطية، فإن على بغداد أن تسلم أربيل رواتب الموظفين، وهو ما مر مرور الكرام، برغم خطورته الكبيرة، فهذا الكلام يعني أنه تم تزوير إرادة النواب من خلال التصويت على قانون وتنفيذ قانون آخر.
الجانب الآخر في الموازنة، هو مسألة القروض الفوضوية الكثيرة والكبيرة التي تتجاوز ال21 منفذا للقروض، وكلها لسد الفجوة المالية، فهل سيستمر العمل بالقروض لسد الفجوة المالية؟ هل سيستمر وزارة المالية باقتراض المزيد من الأموال لسد العجز في الموازنة، دون محاولة اللجوء الى خيارات أكثر أمنا على اقتصاد البلد، وأكثر فائدة؟ القروض التي تجاوزت قيمتها ال140 مليار دولار لو استمرت الحكومة بذات النهج سوف ترتفع الى أكثر من 200 مليار وكلها على حساب الاقتصاد العراقي والمواطن العراقي بالنهاية، لذ فإننا نريد موازنة أكثر صرامة في التعامل مع القضايا المهمة والأساسية التي يتضمنها قانون الموازنة في سبيل تشريع قانون أكثر ملاءمة للوضع الحالي الذي يحمل الكثير من التناقضات والأخطار التي تحدق في الاقتصاد.. نحتاج الى مختصين أكثر من سياسيين، والى رؤية اقتصادية حقيقية تستمع إليها الحكومة لمعالجة الاخطاء الكبيرة التي تضمنها قانون الموازنة للعام الحالي بغية تلافيها في موازنة العام القادم.

سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة