أحلام يوسف
عندما يهم الفنان برسم لوحة تشكيلية فهو يحرص على انتقاء الألوان المتناسقة والمنسجمة مع بعضها البعض لتخرج الينا لوحة متكاملة بجماليتها، هكذا هو الفن، لوحة متكاملة بألوانها وتفاصيلها الصغيرة والكبيرة والعديدة، بكل انواعه ومسمياته.
ومثلما يرفض الفنان التشكيلي عادة ان يُطلب منه شرح لوحة معينة، لأن تفسيرها وشرحها يختلف من شخص الى شخص آخر، فلكل واحد منا يتشكل معنى مغايرا، حسب رؤيته وافكاره ومفاهيمه وروحه التي تختلف عن غيره، قد تعني الفرح لاحد والحزن لاحد آخر. الفن كذلك، يشبه اللوحة، لا يمكن لاحد ان يشرحه، ولا يمكن لاحد ان يضعه بركن او زاوية، هو موجود في كل تفاصيل حياتنا، بداية من الكون الذي تتراقص فيه النجوم والكواكب ليزدان القا وجمالا الى ذرة التراب التي ندوسها ولا نعلم قيمتها او الحياة التي نبتت عليها.
يقول الشاعر والروائي نجيب الكيلاني:
عشقت الفن لا للفن لكن للذي أسمى
وسددت قصيد الشعر في قلب الخنا سهما
عشقت الفن معراجا إلى غاياتنا الشما
أردد فوق قيثاري نشيداً يشعل الهمة
يذكرنا بماضينا ويجلو عنه ما غما
ويوقظ هاجع الآلام كي لا نقرب النوم
أريد الفن أن يلهب روح الغضبة الكبرى
يشكل جيلنا الحيران يذكي فكره الحُرَّا
يفيض على الربى عدلاً ويملأ روضها بِـرَّا.
قد يكون الفن أحد الأسلحة التي يستعملها الفنان لشحذ الهمم في أوقات الحروب، او لتمجيد حالة والتشجيع عليها، فهو رسالة لها أوجه عدة، قد تكون قاسية او لينة، رومانسية او عنيفة، فالحياة ملأى بالتفاصيل الجميلة والقبيحة التي تلعب دور الملهم بحياة الشاعر والملحن والمؤلف وغيرهم ممن يشكلون أعمدة الفن في كل وقت ومكان.
يكذب من يقول ان الفن يتعارض مع الدين فكما قال أحد رجالات الدين «علي الطنطاوي» «الإسلام لا يعارض العلم الصحيح، ولا الفن النافع ولا الحضارة الخيرة». وتلك المقولة لابد لنا ان نؤمن بها ليس فقط لعقلانيتها ومنطقيتها، بل لأننا نحتاج الفن، حاجتنا للغذاء، وهذا ليس مبالغا به، فكم من سجين فكرة او سجين جسم يأتون له بطعام يسد جوعه ويرفض لأنه يرفض حياة من دون معنى، وهل أجمل من الفن معنى للحياة؟ انها تعمل مثل الماء اكسيرا للحياة، تزيدها حلاوة وتزيدنا اقبالا، فالله لم يمنحنا الحياة الا كي نعيشها صح، نستمتع بكل نعم الرب التي وفرها لنا، ونستنشق كل مفردات الجمال فيها، الحب، الفن.