“الياخور”.. بين المسرح والرسالة الثقافية

نورس السيلاوي
ثمة علاقة شديدة الوضوح بين الثقافي من جهة وبين السياسي والاجتماعي من جهة اخرى، من حيث تصاعد وتيرة الثقافي وفعاليته التي تنشط كلما كانت رسالة الفن او الادب قريبة من هموم المجتمع ومن تطلعاته، وصولا الى التناغم المطلوب بين هاتين القيمتين (الثقافي – السياسي والاجتماعي). كما يسعى الفن، دائما، ليكون رديفا لكل ما من شأنه أن يديم علاقات المحبة والسلام بين الشعوب. ذلك ان الهموم الانسانية هي التي تسبغ على الفن سحنة الأنسنة التي ينشدها ويعمل على ديمومتها. وربما بسببها يمكننا تقدير الفن بوصفه القيمة الانسانية الأرفع والأهم في وسائل التعبير المتنوعة.
هذه المقدمة، ستتبادر الى ذهن المتلقي أو المشاهد وهو يسبر اغوار مسرحية “الياخور” الكويتية، التي تهتم ابتداء بمحاكاة الواقع وتتداول قضية زواج الكويتيين بالوافدين. تلك الواقعية التي عكست اهتمامات الفرد الكويتي وما يعانيه من ضغوطات التقاليد والمعتقدات السائدة في المجتمع، من خلال توظيفها مسرحياً وفنياً. وهذا بتقديري الشخصي نقطة نجاح للعمل وانطلاقة تشير ابتداء الى اهمية الفن وعلاقته بالمجتمع.
لكن الانصياع السياسي لدى (كاتب المسرحية) لضغوطات شعبوية، سيدفع به الى الانحراف بالعمل من رسالته الانسانية الى رسالة ثقافية وسياسية متطرفة، تجعل من التأليف وسيلة من وسائل التحريض على بنية السلام التي تسود المنطقة وتسود العلاقات الانسانية التي تربط الكويت بمحيطها العربي والاقليمي. ذلك ان هذا العمل في واحدة من مراميه الغريبة، يسيء بقصدية واضحة الى العراقيين الذين لا يبادلون هذه الرسالة برسالة اخرى متضادة. إذ لا يوجد في المسرح العراقي بنية مضادة لشعوب المنطقة، وهو مسرح راقٍ لا يسيء الى دول الجوار. فلماذا يصر المؤلف “سامي العلي” مؤلف مسرحية “الياخور” الى وجود تباين في نظرة التعالي والسخرية التي يمارسها الكويتي على الاخر العراقي اولا ومن ثم العربي. ان هذا الامر الذي سيعيد الى الاذهان علاقة الأيدلوجيا بمقصديات الاعمال المسرحية والفنية، وهي علاقة ملتبسة وتوظف الفن الى غايات غالبا ما تكون سيئة وتسيء الى سمعة المسرح قبل ان تسيء الى الاهداف التي كتب العمل من اجلها.
من حق المؤلف الذي لا يحترم فنه ان يمارس التهريج فيعرّض نفسه ونصه المسرحي الى شتى الانتقادات، لكن ليس من حقه ان يسهم في الاساءة الى العلاقة المثالية التي تربط الشعبين العراقي والكويتي في واحدة من اهم مراحل التناغم السياسي والاجتماعي بينهما. يساهم “العلي” هنا من خلال التهريج المسرحي الذي لايتعدى العبارات البذيئة باستغلال واضح للكوميديا الشعبوية، وبالسخرية من الأم العراقية الوافدة والسخرية من اسماء العراقيين ومن ثم توصيفهم بـ (الدنمكجية) الخ. فيصل الامر الى حد شعور “الابن / ابن الوافدة” الذي يصر على الوفاء لأمه ومجتمعه، بالضيق من حصارات المؤلف الى ما يمكن ان ينقذه من محنته/ توصيف المرأة العراقية كسلعة يتم تهريبها الى الكويت مثل تهريب التمور والسلع الاخرى، الامر نفسه سيفعله مع المتزوجين من المصريات ويجري كل ذلك بافتعال واضح تنتجه ايديولوجيا المؤلف ذات النزعة غير الصالحة.
ان واحدة من اهم الالتفاتات التي تثير المتلقي، هي قبول فنانين عراقيين ادوارا في مثل هذه المسرحيات التهريجية، مثل الفنانة “ميس كمر”، إذ ان مشاركتها العربية في الاعمال الدرامية ستكون حافزا للمزيد من العطاء والمثابرة، وهي مشاركات اغلبها كان جيدا ونافعاً. لكن ذلك الحماس في المشاركات العربية، ينبغي له ان يكون باعتماد الاعمال الجيدة والهادفة. ويجب ان لايكون ذلك على حساب المضمون الذي سيصل في هذه المسرحية الى حد الاساءة الى الوطن من خلال عمل مسرحي هابط ولا قيمة ثقافية تسمو به او تبرره.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة