ديفيد ماكوفسكي
في الخامس و السادس من آب/أغسطس، وافقت لجنة إسرائيلية مشتركة من عدة وزارات على بناء مجموعتين من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، بعضها للمستوطنين الإسرائيليين والبعض الآخر للفلسطينيين. ويبدو أن عوامل متعددة كانت وراء هذين الإعلانين، وقد تكون تداعياتها واسعة النطاق. وربما تكون الوحدات الإسرائيلية الجديدة مرتبطة بإعادة الانتخابات في أيلول/سبتمبر، لكن موقعها سيمثّل تحولاً مقلقاً إذا ما تكرر بعد الانتخابات. أما بالنسبة للفلسطينيين، فيعكس القرار المرة الأولى خلال ثلاث سنوات التي مُنحوا فيها أي وحدات في المنطقة (ج)، التي هي جزء من الضفة الغربية التي تولّت إسرائيل السيطرة الكاملة عليها بعد «اتفاقيات أوسلو». وليس من قبيل الصدفة أنه قد تم إصدار الإعلانين في غضون بضعة أيام من بعضهما البعض.
اتجاه جديد مقلق؟
تعيش أغلبية كبيرة من المستوطنين الإسرائيليين في وحدات تقع خارج الحاجز الأمني للضفة الغربية وبالقرب من المناطق الحضرية (المدن) الإسرائيلية. ولا تشكّل هذه المنطقة سوى 8٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية، سواء على طول خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967 أو مجاورة لها، وتمركزت فيها معظم الجولات السابقة من الموافقات على المستوطنات. ولكن هذه المرة، يقع ثلثا الوحدات التي تمّت الموافقة عليها أو هي في المرحلة ما قبل الأخيرة من الموافقة – 1609 من أصل 2343 – خارج الحاجز.
ويمكن أن يساعد حصر مستوطنات جديدة في مناطق داخل الحاجز الأمني في الحفاظ على قابلية تطبيق حل الدولتين، لأنه من المرجح أن يتم ضم هذه المستوطنات إلى إسرائيل كجزء من عملية تبادل الأراضي خلال مفاوضات الوضع النهائي. وبهذا المعنى، على الأقل، يمكن اعتبار هذه المستوطنات أقل استفزازية. ومع ذلك، فإن إضافة وحدات جديدة خارج الحاجز هو أمر استفزازي للغاية ويجعل الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر صعوبة في المستقبل. ويتمثل السؤال الرئيسي فيما إذا كانت هذه الخطوة هي بداية لاتجاه جديد أو حجة سياسية مؤقتة.
عملية الموافقة على المستوطنات
في السنوات الأخيرة، أعادت إسرائيل هيكلة عملية الموافقة لتقليل احتمالات الإعلانات المفاجئة التي قد تكون محرجة من الناحية السياسية، كما حدث في عام 2010 عندما تمت الموافقة على وحدات سكنية جديدة في القدس الشرقية خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن. واليوم، يجب أن تمر طلبات الموافقة على وحدات جديدة بست مراحل قبل أن تمنح السلطات الإسرائيلية موافقتها النهائية. وقد ركّزت الاجتماعات المنعقدة في الخامس والسادس من آب/أغسطس على المرحلتين الأخيرتين: الوحدات المعتمدة للبناء الفوري والوحدات التي تشارف الموافقة عليها من المرحلة الأخيرة بانتظار مرور فترة ستين يوماً لبروز أي تحديات قانونية التي نادراً ما تكون مثبتة، مما يعني أنه يمكن باطمئنان ضمّها إلى الفئة الأولى.
وكانت حصيلة الوحدات التي تمّت الموافقة عليها الأسبوع الماضي من بين الأكبر منذ سنوات، رغم أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستوسّع الوحدات الجديدة الوجود الفعلي لإسرائيل في الضفة الغربية. وفي الماضي، توصّلت الحكومات التي ترأسها بنيامين نتنياهو إلى تفاهمات غير رسمية مع واشنطن، تم بموجبها توسيع المستوطنات في المناطق المتاخمة للوحدات المبنية بدلاً من امتدادها إلى مناطق جديدة تماماً؛ ومن غير المؤكد ما إذا كانت هذه الاتفاقات لا تزال سارية.
تغيير النسب الديموغرافية والجغرافية؟
حالياً، يعيش حوالي 448,000 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية – 344,000 داخل الجدار الأمني و 104,000 خارجه. وبما أن إسرائيل ضمت القدس الشرقية اسمياً، فهي لا تَعتبر الـ 320,000 إسرائيلي الذي يعيشون فيها كمستوطنين، برغم أن دول أخرى تعتبرهم كذلك. وفي كلتا الحالتين، فإن نسبة المستوطنين الذين يعيشون داخل الجدار عالية: 86٪ بمن فيهم أولئك في القدس الشرقية، و 77٪ بدونها.وفي الماضي، كانت معظم وحدات المستوطنات الجديدة تعكس هذه النسبة تقريباً، لكن الموافقات التي صدرت الأسبوع الماضي غيّرت ذلك تماماً – 68.7٪ من الوحدات الجديدة تقع خارج الحاجز، و 31.3٪ داخله. ويعني بناء 1,609 وحدة خارج الحاجز إضافة ما يقدّر بـ 6,800 مستوطن إسرائيلي جديد هناك، وربما أكثر من ذلك بالنظر إلى الحجم الأكبر لعائلات المستوطنين.
الحسابات السياسية لنتنياهو
على الرغم من نجاحه الانتخابي في رئاسة الائتلافات اليمينية، عادةً ما يُهزم نتنياهو في صناديق الاقتراع عندما يحاول استمالة الناخبين من المستوطنين الذين يعيشون خارج الحاجز الأمني. فأولئك الذين يعيشون داخله هم أكثر دعماً له، معتقدين أنه سيتمّ ضمّهم إلى إسرائيل وليس استبعادهم عنها بموجب أي ترتيب يقوم على حل الدولتين قد يتمّ إبرامه مع الفلسطينيين. وفي المقابل، لا يرى المستوطنون خارج الحاجز الأمني أي فرصة للحفاظ على أراضيهم في إطار مقاربة الدولتين؛ وهم أكثر عرضة لأن يتم التخلي عنهم في حال حدوث تبادل للأراضي. وبالتالي، يشكّون إلى حدّ كبير بالتزام نتنياهو الإيديولوجي برفاههم، ولم يغرّهم بسهولة تراجعه الظاهري عن مقاربة الدولتين في السنوات الأخيرة. وكانت أحزاب من يمين نتنياهو قد استفادت من هذا الواقع، حيث هزمته بهامش ثلاثة إلى واحد في أوساط الناخبين خارج الحاجز الأمني. وصحّ هذا الاتجاه أيضاً حتى خلال الحملة الانتخابية في نيسان/أبريل، حين أشار نتنياهو علناً إلى إمكانية قيام إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية بشكل أحادي الجانب. ومن خلال جعل الحكومة توافق على المزيد من الوحدات خارج الحاجز الأمني قبل إعادة الانتخابات الشهر المقبل، ربما يحاول نتنياهو أن يُظهر للمستوطنين أنه يمكن الوثوق به من الناحية الإيديولوجية. وربما لم يكن من المستغرب أن تكون بيت إيل إحدى المستوطنات التي حصلت على أكثر الوحدات الجديدة (382). وتقع بيت إيل خارج الحاجز، وهي مستوطنة إيديولوجية رائدة للحركة؛ كما أنها مُحببة من قبل الرئيس السابق لجمعية «أصدقاء بيت إيل الأمريكيين»، السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان.
وحدات فلسطينية جديدة في المنطقة (ج)
إضافة إلى موافقة الحكومة الإسرائيلية على المستوطنات الجديدة، أقرت أيضاً بناء 715 وحدة جديدة للفلسطينيين في المنطقة (ج)، وهي المنطقة التي تشكل 60٪ من الضفة الغربية وما زالت حساسة للغاية من الناحية السياسية. وتمارس السلطة الفلسطينية مستويات مختلفة من السيطرة في المنطقة (أ) (المناطق الحضرية الفلسطينية) والمنطقة (ب) (المناطق المحيطة بهذه المناطق الحضرية)، والتي يبلغ مجموعها 40٪ من الضفة الغربية. وتتولى إسرائيل السيطرة الأمنية الكاملة على المنطقة (ج)، ولكن الجانبين لم يتفقا بعد على وضع هذه المنطقة خارج هذا الواقع، مما يجعلها ساحة مركزية للصراع السياسي. ومن جانبهم، غالباً ما يشير الفلسطينيون إلى القيمة الاقتصادية للمنطقة (أ) (المدن الفلسطينية) – ففي عام 2016 على سبيل المثال، خلصت دراسة أجراها «البنك الدولي» إلى أن عدم النفاذ الاقتصادي لـ «السلطة الفلسطينية» في المنطقة (ج) قلل من «ناتجها المحلي الإجمالي» بنسبة 35 في المائة. ولكن في إسرائيل، كرّس حزب يميني – بقيادة وزيرة العدل السابقة اييليت شاكيد ووزير التربية السابق نفتالي بينيت – نفسه لضمان عدم تنازل إسرائيل عن شبر واحد من المنطقة (ج). ومن بين تدابير أخرى، أعدّا إجراءات لا يمكن بموجبها تخصيص أي أرض في تلك المنطقة إلى الفلسطينيين دون موافقة مجلس الوزراء الأمني. ويدعو الاثنان صراحةً إسرائيل إلى ضمّ جميع المنطقة (ج) إلى أراضيها. ويفسّر هذا الضغط السياسي سبب موافقة إسرائيل على عدد قليل جداً من الوحدات الفلسطينية في المنطقة (ج) قبل الأسبوع الماضي. ومنذ عام 2000 إلى عام 2016، أفادت بعض التقارير إن إسرائيل لم توافق سوى على 226 وحدة مجتمعةً، ولم تقر أي وحدة بعد عام 2016. فلماذا وافقت الآن على بناء 715 وحدة؟ من جهة، يتزامن الإعلان في الأسبوع الماضي مع زيارة مبعوث البيت الأبيض جاريد كوشنر إلى الشرق الأوسط. وربما يكون نتنياهو قد اعتقد أن الموافقات الخاصة بالمنطقة (ج) ستساعد كوشنر في أثناء جولته في العواصم العربية [واحتمال] تَعرّضه لانتقادات بسبب غياب التفاصيل المتعلقة بخطة السلام التي وضعتها الإدارة الأمريكية والتي طال انتظارها. غير أن الإعلان عن وحدات فلسطينية جديدة لم يحظَ بأي اهتمام في العالم العربي، حيث ركّزت الحكومات بدلاً من ذلك على الوحدات الإسرائيلية الجديدة خارج الحاجز الأمني. وتشمل تفسيرات محتملة أخرى الإحراج التي تشعر به إسرائيل من عمليات هدم المنازل في الآونة الأخيرة في مناطق خاضعة لسيطرة «السلطة الفلسطينية»، ورغبتها في التخفيف من حدة الاعتراضات الدولية على العدد الكبير من الوحدات الإسرائيلية الجديدة.
ومن غير الواضح ما هو الموقع المحدد لهذه الوحدات الفلسطينية، وقد تكهن البعض بأنه قد لا يتم بناؤها أبداً. ففي عام 1997، خلال ولاية نتنياهو الأولى كرئيس وزراء، أدلى بإعلان مزدوج مماثل، وافق فيه على بناء وحدات إسرائيلية في منطقة هارحوما (أو جبل أبو غنيم) في القدس الشرقية بالتزامن مع وحدات فلسطينية جديدة؛ غير أنه لم يتمّ بناء هذه الأخيرة قط. واليوم، انتشرت بعض المنازل في القرى الفلسطينية الواقعة على حافة المنطقة (ب) إلى داخل المنطقة (ج)، مما يجعلها مكاناً محتملاً للوحدات الجديدة البالغ عددها 715 وحدة. الخلاصة على الرغم من الشكوك المتزايدة، يصرّ مستشارو الرئيس ترامب على أنهم سيعرضون خطتهم للسلام في المستقبل القريب، حتى لو لم يتم ذلك إلّا بعد الانتخابات التي ستُجرى في إسرائيل في 17 أيلول/سبتمبر. بيد، إذا كان بناء ثلثيْ الوحدات الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة خارج الحاجز الأمني هو المعيار الجديد وليس مجرد تضليل قبل الانتخابات، فسوف يؤدي ذلك إلى تآكل أي ثقة متبقية في مساعي جهود السلام الأمريكية. وبسبب تنامي الشكوك أيضاً فيما يتعلق بالوحدات الفلسطينية الجديدة في المنطقة (ج)، فقد يُغري ذلك إدارة ترامب على التشديد على بناء هذه الوحدات. وفي كلتا الحالتين، ينبغي أن تسترشد واشنطن بفهم الأماكن التي تلتقي فيها العوامل الديمغرافية بالعوامل الجغرافية في الضفة الغربية، وأن تحدّ وفقاً لذلك من المطالب المفرطة من كلا الجانبين.
ديفيد ماكوفسكي زميل «زيغلر» المميز ومدير «برنامج العلاقات العربية – الإسرائيلية» في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك مع دينس روس للكتاب الذي سيُنشر قريباً بعنوان، «كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها» (PublicAffairs/Hachette).