الخداع

جديد العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد كتاب “من يجرؤ على الكلام”

لعل أكثر التعريفات جزالة واختصارا بالكاتب والسياسي بول فندلي، ما قالته “هيلين توماس” عميدة المراسلين السابقة في البيت الأبيض، التي عاصرت عدداً من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، كان آخرهم باراك أوباما، اذ وصفته في مقالة مهمة عن الشرق الأوسط ب”الرجل صاحب الضمير الحي، الذي يجرؤ على قول الحقيقة”.
ولنضع تحت ” الذي يجرؤ على قول الحقيقة ” خطين، ففي اميركا يمكنك ان تقول أي شيء عن أي كان، حتى انه يمكنك ان تشتم الرئيس، لكن كل ما يتعلق بإسرائيل والعلاقة التي تربطها بالمسؤولين الأميركان، خط احمر.
هناك..حيث الديمقراطية وحرية التعبير، ثمة جهاز استخباري كامل، يعمل فيه إسرائيليون واميركان، وصهاينة، يسمى منظمة ” ايباك ” هذا الجهاز الذي تطلق عليه مفردة منظمة، هو الذي يسيطر ربما على نحو 90% من الاعلام الأميركي والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ان لم نقل اكثر.
وهذا الجهاز- المنظمة، حارب على الدوام اية حقيقة او محاولة لفضح العلاقات الأميركية –الإسرائيلية، او الاساليب التي تتبع للتأثير السلبي على الرأي العام الأميركي، بدعوى معاداة السامية، ولكنه – الجهاز – لم يتمكن من بول فندلي عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية الينوي لمدة 22 سنة، والذي نشر او كتاب له سنة 1985 بعنوان من يجرؤ على الكلامن وفضح فيه خفايا العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وتحدث ربما للمرة الأولى عن دور ايباك في اتخاذ القرارات المصيرية لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين، من دون وجه حق.
بعد صدور من يجرؤ على الكلام، لم يفز فندلي بعضوية الكونغرس مرة أخرى، بعد ان حشد ايباك لخسارته في الانتخابات، ولكن هذا الأمر لم يثن بول فندلي عن مواصلة الكتابة وفضح الحقائق في كتب عدة هي إضافة الى ” من يجرؤ على الكلام “، ” لا سكوت بعد اليوم “، و” اميركا في خطر “، والذي ضم مذكرات فندلي عن السياسة الأميركية إزاء إسرائيل، و “اللوبي الإسرائيلي” والسياسة الخارجية الأميركية” شارك في تأليفه عالما السياسة البارزان الدكتور “جون مرشماير” من جامعة شيكاغو والدكتور “ستيفن والت” من جامعة هارفرد، و” الخداع ” الذي نضع هنا بعضا منه بين يدي القاري الكريم..
تجدر الإشارة الى ان من ينتقد إسرائيل في اميركا، وتأثير اللوبي الإسرائيلي في صنع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، قليلون جدا وهذا ما دعا الكاتبة والمؤلفة “غريس هالسل”، الصوت القوي المطالب بالعدالة في الشرق الأوسط، تقول لفندلي قبل وفاتها “علينا التضافر معاً، لأننا قليل عديدنا، فما يزال عدد من هم على إستعداد لإنتقاد إسرائيل جهارا قليلاً، وعلى الذين يجهرون بالكلام أن يستعدوا لتلقي المعاملة الخشنة”.

الحلقة 16

بول فندلي

الفصل الثاني عشر
المواطنون الإسرائيليون في فلسطين

الأسطورة:
((لن تكو (إسرائيل) يهودية بمعنى أنه سيكون للمواطنين اليهود حقوق أكثر من حقوق المواطنين غير اليهود)).
من بيان للوكالة اليهودية.
الحقيقة:
يقول مكدوال في كتاب له، بعنوان ((فلسطين وإسرائيل))، نشر في عام 1989، ولقي إستحساناً بالغاً: ((ما يجري فعلاً… هو أن الفلسطينيين في إسرائيل يتعرضون لتمييز واسع ومنظم. وإذا قلنا- كما يفعل بعض الإسرائيليين من الحمائم- أن هذا التمييز قضية اجتماعية اقتصادية، نتجاهل حقيقة أنه في أساسه سياسي. إنه يدور حول السلطة… إذ لم يسبق للفلسطينيين أن شاركوا في السلطة السياسية، ولا أمل لديهم بالمشاركة فيها في المستقبل المنظور. وبالرغم من أن البعض منهم لعبوا دوراً بصفتهم أعضاء معينين في الاحزاب السياسية الصهيونية فإنه لم تسند إليهم مطلقاً أي سلطة وزارية أو حزبية. إذ كان دورهم رمزياً يهدف إلى إسباغ المصداقية على كسب أصوات العرب وخلق الإنطباع بأن إسرائيل دولة ديمقراطية بكل معنى الكلمة. ولكنها بالنسبة للفلسطينيين ديمقراطية بلا مضمون)).
لقد بدأ التمييز عندما ولدت إسرائيل. فحرب عام 1948 تركت 60,000 عربي في إسرائيل شكلوا أقلية بلغت 12,5% من سكان البلاد عند نهاية عام 1949، وأصبح هؤلاء غرباء في وطنهم. (وفي إسرائيل الآن حوالي 800,000 مواطن عربي) وقد كانوا دائماً عرضة للإبعاد. إذ أبعد الآلاف من الفلسطينيين المختارين عن البلاد. وفي عام 1950، طردت إسرائيل 14000 فلسطيني من سكان المجدل لإنشاء مدينة عسقلان اليهودية الجديدة.
وأصبح الفلسطينيون، الذين ظلوا ضمن حدود إسرائيل الموسعة تلقائياً مواطنين إسرائيلين؛ ومن الواضح انهم مواطنون من الدرجة الثانية. فقد أُخضعوا لقوانين الطوارئ التي تقضي بمحاكمتهم في المحاكم العسكرية لا المدنية، وتفرض قيوداً شديدة على تنقلاتهم، وتعرضهم للنفي والإعتقال من دون إستئناف، وتحظر عليهم القيام بأي نشاط سياسي منظم، وتُخضع صحفهم وكتبهم المدرسية للمراقبة، وتشدد جداً في منحهم تراخيص للبناء.
وظل عرب إسرائيل يخضعون للحكم العسكري حتى عام 1966، وعندما ألغى الكنيست القوانين الخاصة ضدهم. ومع هذا، فإن كثرة قوانين الطوارئ المقيدة بقيت ساري بأشكال مختلفة، ولا تزال تستخدم ضد عرب إسرائيل حتى اليوم.
الأسطورة:
((إن التمييز القانوني الوحيد بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل، هو أن العرب غير مطالبين بالخدمة في الجيش الإسرائيلي)).
إيباك
الحقيقة:
إن التمييز ضد الفلسطينيين الإسرائيليين يتجاوز عدم السماح لهم بالخدمة في الجيش. فهو عميق ومزمن وراسخ في قوانين إسرائيل وأنظمتها الحكومية.
وأوضح مثل هذا التمييز، هو حرمان الفلسطيني من حقه الأساسي في العودة إلى وطنه، والسماح لأي يهودي في العالم أن يحصل تلقائياً على المواطنية في إسرائيل وذلك وفقاً لقانون العودة لعام 1950. ومن الأمثلة الأخرى أن على العرب حمل بطاقات هوية تبين ديانة حاملها لأن الديانة تعد قوميته. ويقضي قانون الجنسية لعام 1952 بأن تكون القومية اليهودية بمثابة مواطنية لهم أنى كانوا. لكن قوانين الجنسية التي فرضت على غير اليهود صارمة إلى حد أن الكثير من الفلسطينيين حرموا منها رغم أن أسرهم عاشت في فلسطين طيلة أجيال.
وفي عام 1952 سنت إسرائيل قانوناً يعرف بقانون الأحوال الشخصية للمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، شرع لليهود فقط منافع إقتصادية وسياسية إجتماعية خاصة. كما منح حقوقاً حصرية للإسرائيليين (حاملي الجنسية اليهودية) بما فيها حق شراء الأراضي. وحظر القانون على المؤسسات اليهودية، مثل الصندوق القومي اليهودي، بيع الأراضي في إسرائيل لغير اليهود، وفرض عليها الاحتفاظ بكل الأراضي ((من أجل الشعب اليهودي كله)). وأكد هذا القانون أن دول إسرائيل تعتبر نفسها من خلق الشعب اليهودي كله وبالتالي فأن أبوابها مفتوحة لجميع اليهود.
ولا يسمح للفلسطينيين الإسرائيليين فيما عدا بعض الأقليات الصغيرة مثل الدروز والبدو بالخدمة في القوات المسلحة. ومعنى ذلك حرمانهم من طائفة كبيرة من الفوائد الإجتماعية التي تعود على المحاربين القدماء، وتشمل السكن وخدمات إجتماعية وإعانات أخرى. وبموجب قانون العلم والشعار الذي تم تبنيه في عام 1949، صارت نجمة داود علماً للدولة الإسرائيلية يعكس ((تطابق هوية الدولة (وهوية) الشعب اليهودي)). وصار ((المينوراخ)) أو الشمعدان اليهودي شعاراً للدولة.
وهناك قوانين تمييز أخرى ضد العرب تشمل قوانين مصادرة الممتلكات العربية منها: قانون مصادرة الممتلكات في حال الطوارئ (1949) وقانون أملاك الغائبين (1950) وقانون تملك الأرض (1953). وبموجب قانون (1953) وحده صودر مليون فدان من الأراضي التي يملكها 18000 فلسطيني. ووصف موشي كيرين، مراسل ((هآرتس))، قوانين الأراضي ومصادرتها بأنها ((نهب بالجملة في قناع قانوني، فهناك مئات الآلاف من الدونمات التي أخذت من الأقلية العربية)).
وحالما تضع الدولة أو الصندوق القومي اليهودي- وهو هيئة تابعة للمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية- اليد على الأرض يحظر بيعها أو انتقالها للغير، أي أنها تظل ((إلى الأبد)) وقفاً على الشعب اليهودي. ويصف ((ميثاق)) عام 1961 بين الصندوق القومي والحكومة عمل الصندوق بأنه ((لمنفعة أصحاب الديانة اليهودية أو من هم من سلالة أو أصل يهودي)). وفي أوائل التسعينيات صارت الدولة والصندوق يملكان 93% من الأراضي في إسرائيل وغالبيتها من أراضي العرب المصادرة. وعندما تبينّ أن بعض اليهود يؤجرون الأراضي للعرب صدر في عام 1967، ((قانون التسوية الزراعية)) الذي حظر تأجير الأراضي بدون موافقة وزير الزراعة. مما يعني المزيد من تقييد حرية العرب في اختيار مكان أقامتهم أو عملهم. ولا يزال الوضع على حاله.
ويقول داني روبنشتاين، مراسل صحيفة ((دافار)) اليومية للشؤون العربية في تقرير له عام 1975: ((كانت السياسة الرسمية نحو عرب إسرائيل وما تزال تحظر عليهم أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو إقتصادي في اطار عربي مستقل)).
الأسطورة:
((إن دولة إسرائيل… سوف تكفل المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع المواطنين بغض النظر عن العقيدة والسلالة أو الجنس (أي الذكور والإناث) )).
إعلان إستقلال إسرائيل
الحقيقة:
بالرغم من أن إعلان إستقلال إسرائيل وعد بالمساواة بين جميع المواطنين، إلا أنه نص على أن إسرائيل ((دولة يهودية… أبوابها مفتوحة للهجرة اليهودية)). ودعت جميع اليهود في أنحاء العالم ((إلى التضامن معنا)). لكن قوانين إسرائيل، على مرّ السنين، أخذت تؤكد بشكل متزايد على الطابع اليهودي الخالص للدولة. ففي عام 1985، مثلاً، صدر قانون ينص على أنه لا بجوز لمن يرفض ((وجود دولة إسرائيلية كدولة للشعب اليهودي)) أن يرشح نفسه للوظائف العامة.
وهذا كما قال ديفيد شبلر مراسل ((النيويورك تايمز)) جعل الفلسطينيين ((غرباء في أرضهم)) ولا يشكلون ((جزءاً كاملاً من أمة أعتبرت دولة يهودية)). وصرح ييغال آلون، وزير الخارجية السابق، مرة بقوله: ((من الضروري أن يعلن بصراحة أن إسرائيل دولة يهودية ذات جنسية واحدة. وإن وجود أقلية عربية في البلاد لا يجعل منها دولة متعددة الجنسيات)).
وفي عام 1976، ظهر الدليل العلني الأشد إثارة على التمييز العنصري الرسمي في إسرائيل ضد الفلسطينيين في وثيقة ((تعرف بتقرير كونيغ)) نسبة إلى صاحيه ((إسرائيل كونيغ)) الذي عينته وزارة الداخلية حاكماً على اللواء الشمالي (الجليل). وقد حذر هذا التقرير المطول من القومية الفلسطينية النامية، واقترح عدداً من الطرق لردع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. ومن هذه الطرق، النظر ((في إمكان التخفيف من تجمعات السكان العرب في القطاع الإقتصادي بما فيه الوظائف))، وتشجيع الطلاب العرب على الإقبال على الدراسات العلمية الصعبة ((لأن هذه الدراسات تترك وقتاً أقل للخوض في القومية، ولأنها تزيد في معدلات سقوطهم))، وكذلك تشجيع الطلاب العرب على الدراسة في الخارج ((وجعل عودتهم وتوظيفهم في الوقت نفسه، أكثر صعوبة.. فمن شأن هذه السياسة تشجيعهم على الهجرة)).
وأعلنت الحكومة أن التقرير يمثل رأياً فردياً وأنه ليس سياسة رسمية؛ لكن العرب بوجه عام وبعض المراقبين الآخرين لا يسلمون بصحة هذا الإدعاء. والبرهان على هذا، كما قال منتقدو هذه السياسة، أن كونيغ ظل حاكماً للواء الجليل، وأن اسحق رابين رئيس الوزراء أوصى بتعيين تسفي الدوراتي، الذي شارك كةنيغ في وضع التقرير، مديراً للدائرة العربية التابعة لحزب العمل.
ومع هذا، وعلى أثر عودة رابين إلى رئاسة الوزارة عام 1992، قال في الخطاب الذي شرح فيه سياسة وزارته: ((اليوم وبعد 45 سنة على قيام الدولة، توجد ثغرات كبيرة جداً بين القطاعين العربي واليهودي في مناطق كثيرة. وأود، نيابة عن الحكومة الجديدة، أن أعد السكان من العرب والدروز والبدو ببذل كل جهد في سبيل سد تلك الثغرات)). لكن، نظراً، إلى سجل رابين، علينا أن ننتظر لنرى مدى الجد في كلماتـه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة