في مهرجانهم الوطني الاول
سمير خليل
يبحثون عن مكان في فضاء الشعر ،فتية توشحوا رداء الثقة وملكة البوح ،تحررت سرائرهم ،كلماتهم ندية بيضاء ،صافية ،دافئة كقلوبهم ،يتملكهم الفخر انهم امتداد للرعيل المتوهج الذي اضاء سفر الشعر ،تجمعوا محملين بالإبداع، بالوفاء، بالرثاء لقرينهم الذي اختطفه الموت ولما يزل غضا يافعا ،كلماتهم تزينت بالقافية وتعطرت بالحزن ،امام النظارة انسابت كلماتهم رقراقة عذبة انتزعت الاعجاب والدهشة ،تراقصت المعاني بين افواههم وتسربلت لتدخل القلوب ،شعراء العراق الشباب يتجمعون في مهرجانهم الوطني الاول الذي حمل اسم (دورة الشاعر البصري الشاب الراحل اكرم الامير) الذي انطلق على قاعة الرباط في بغداد واستمر يومين توزعت فيها قراءاتهم على اربع جلسات حيث ضمت جلسة الافتتاح قراءات لاحد عشر شاعرا «.
كلمة افتتاح المهرجان كانت على لسان الشاعر جبرائيل السامر قال فيها: ايها الجيل الجميل، ايها الوفيون لذكرى صديقكم الراحل أكرم الامير، هذا المهرجان الذي ولدت فكرته في (كروب) يضم مجموعة من شعراء العراق الشباب وسرعان ما تبلورت الفكرة ونضجت سريعا بهمة وعزم الشباب يشعلها بركان وفاء لحبيبنا أكرم الذي سبقنا ليهيئ لنا الجنة، كان معوقنا الاول ومعوق كل مهرجان سعينا اليه سابقا هو الدعم المادي لكنه تذلل هذه المرة بعزيمة الشباب وجودهم برغم ضيق ذات اليد فكان هذا المهرجان «.
«الصباح الجديد» كانت ضمن حفل الافتتاح والتقت اولا الشاعر الشاب حسين السلطان عضو اللجنة التحضيرية الذي افادنا بمعلومات عن المهرجان فذكر :شكلنا لجنة لاختيار النصوص بواقع شاعر من كل محافظة وهو يرشح شعراء من محافظته ويبعث لنا نصوصهم ،ارتأينا ان لا يكون الموضوع انتقائيا وانما اعتمدنا على ترشيح الشاعر عضو لجنة الاختيار ومسؤوليته بهذا الاختيار، وهو من يرشح لنا الشاعر ونصوصه ،رتبنا موضوع المهرجان بوقت قياسي لا يتعدى ثلاثة اسابيع وبجهود ذاتية تماما ،اللجنة التحضيرية تشكلت من عشرة شعراء وكنا نتواصل بواسطة (الفيسبوك)، حاولنا ان نجمع اكثر شعر ممكن ولكن بالحفاظ على النوعية كما حاولنا ان نتوجه الى اسماء مرموقة من شعراء الجيل الموجود حاليا ثم اخترنا التسمية كمهرجان شعر للشباب حتى يبقى للشباب «.واضاف « ستكون الدورة المقبلة من المهرجان في محافظة اخرى وستظل جلسات المهرجان مستمرة طوال السنة «.
السلطاني انشد خلال المهرجان قصيدته سيرة الراحل الأخير التي يقول فيها:
بالأنبياء القدامى مرَّ وانعطفا
كم استمالوه لكنْ قلبُهُ انفا
والصالحون جميعاً حولَ توبتِهِ قصوا
وأنكرَ حدَّ الموتِ ما اعترفا
ففرطوهُ على أوراقِ مصحفهم
ليخبروهُ بأنَّ اللهَ قد عرفا
زميله في اللجنة التحضيرية الشاعر يحيى الرحال انشد:
غادر ..ماذا اصابك لاتمل تحملك
ام ان موتا في البلاد يروق لك
تعوج حزنا وانتظارك يقتفي
حزنا جديدا كي يجيء ويعدلك
حدثَ انشطاري كي أقابل حضرتي
فاجلس أمامي يا أنايَ لأسألك
من قبل الجرح العميق لينتهي
والجرح مفتوح اتى ليقبلك
ويكمل « هذا المهرجان يأتي للدلالة بأن الشاب العراقي قادر على اقامة فعاليات ونشاطات كبيرة من نشاطات ثقافية ومواكبة الثقافة بحركتها، مهرجاننا نوعي جدا لانه جاء بجهود ذاتية وبصراحة قدمت لنا جهود للمساعدة والدعم لكننا احببنا ان يكون المهرجان غير مسيس وان يكون شبابيا بحت، لاتوجد ضوابط رقابية على المشتركين، كلهم احرار بالكتابة عن الوطن والحب والموضوعات الاخرى».
لم اشأ ان اكون ضوء……كان بوسع امي ان تختصرني
تلدني برقا المع لحظة واموت ……او قد اكون مت
لكن اخاف ان أزور قبري واراه فارغا واموت من الصدمة
ساترك مخاوفي ورائي واحمل جسدي في حقيبة واسافر الى قبر آخر
بهذه الكلمات الجميلة استمتع الحضور وهي للشاعر حسين المخزومي الذي تحدث الينا: كل موهبة تصقل بالدربة والممارسة والقراءة بتكثيف ماتقرأ كل ما يمس اختصاصك، انا اكتب قصيدة النثر منذ بواكير عمري فالتجربة تنضج بالقراءة والكتابة والاطلاع على تجارب محلية وعربية وعالمية وبالتالي تصقل موهبتك بشكل جيد، إضافة لملكة الشعر يجب ان تمتلك ملكة فكرية خاصة ومن خلال نصوصك تمرر افكارك وعلى الشاعر ان يملك وعيا حتى يعي ما يقول وما يكتب».
الشاعرة نور فيصل تتحدث الينا: الشعر ليس من اولوياتي، لكني احسه اداتي بالتفريغ والتعبير، نادرا ما استعمله لإرسال رسالة معينة، استعمله للتعبير عن موقف، عن الم، عن هموم معينة موجودة، ألقيت اليوم قصيدتين، الاولى كانت رثاء لصديقنا أكرم الامير اما الثانية فانا أحب الجرأة في الادب، بالكتابة، نادرا ما تكتب بنت بهذه الجرأة لانها قد تتعرض لسوء الفهم ولكن الحمد لله في رحاب الشعر لا نتعرض لمثل هذه المواقف «.
من محافظة الانبار حمل محمد ناظم كلماته كي ينثرها في اديم المهرجان:
وكان ما كان حدو الانبياء سرى
دليلة غيبة لا يقتفي اثرا
توحي له الريح ان الغرب يغدره
حتفا، وشيء الى ذهن الخطأ بدرا
يا شهرزاد اكتفي فالصبح أدركنا
تثاءبت نجمة اخرى كفاك سرى
نامي وقد تكمل الجدات قصته
عنا وتتلى على احفاده سورا
ويضيف « حضرت ملبيا دعوة من الاصدقاء، لم أستطع ان ارفضها، الراحل أكرم الامير صديق الكل اضافة الى ان المهرجان هو للشعر فقط بعيد عن كل التوجهات، اذن لاشيء يمنعني من الحضور خاصة انني أمثل محافظتي الانبار بهكذا مهرجان، هي دعوة خاصة لكن الامر اشبه بالالتزام، كان الحضور جميلا، تشرفنا بهم، انصتنا للشعر والابداع».
القادم من ذي قار حيدر خشان المتسلح بثلاث مجاميع شعرية يتحدث عن المهرجان: لان دورة المهرجان سميت باسم أكرم الامير، جئنا محملين بالرثاء والمواساة لكل شعراء العراق الشباب بهذا الفقد، يد المنون تخطف يوميا الكثير من الناس لذلك جئنا محملين بهذا الرثاء وبالهم الوطني بالتأكيد فكانت قصيدتي تقول:
قلنا: الا تلويحة من كفه؟ قالوا يعز عليه ان يتودعا ..
مايفعل الفقد المبرح؟ قلت لا يبقي لباك حين يبكي مدمعا..
وجزعت، لما تجزع الثكلى تشق ..جيوبها ،ولقد شققت الاضلعا..
واشرت للصمت الذي يبتزني.. فضفض، وللوجدان ان يتقطعا..
وحين أعرج على الوطن اضع مفارقة واقول:
سهار وهذا الليل يستعذب الكرى ..ويحذف في اسمائنا حين تمترى
ويسلبنا اوطاننا البض كلما.. نحاول بالأوطان ان لانبذرا
الشاعر قاسم جاسم رئيس تحرير المنجز الادبي (شباب المتنبي) له مجموعة مطبوعة تحمل عنوان (للحرب قلب قاس) وشارك في عدة مهرجانات شعرية يقول عن المهرجان :المهرجان كان أشبه بالانفتاح نحو الشعر الشبابي والتعرف على الكثير من الوجوه الشابة الكبيرة شعرا وحضورا ،كان محوره الأساس هو التجمع في دائرة شعرية تقتفي أثر الشباب وابداعاته الأدبية التي نفتقدها اليوم وتترجم حركتهم التجديدية في بناء هيكلية الشعر الحديث بأنواعه ،وأيضا اكتشاف الشعر في مواهب جديدة حقيقية تسهم في نشر الوعي والصورة الأسمى للشعر الشبابي ، يشكل المهرجان لي تجربة جديدة في مسيرتي الشعرية والاحتكاك في حداثة الشعر التي باتت مغروسة بخيال ونبض الشعراء من وحي الجمال ،يقول في قصيدته
ارح دموعك من قهر ومن علل
فليس ينفع من بالدمع يغتسل
هذي الجراحات كأس من حكايته
مملوء بجنود الجلد تحتفل
ارض تحاوره عن صدق رويتها
خلاصك الطين، يا الله ما العمل
تكالب الدرب نورا كنت تسلكه
وهذه النفس كالأطيار تبتهل
الشاعر مروان عادل ياسين الذي القى كلمة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق تحدث الينا قائلا: حزت اليوم على شرفين ، شرف ان اكون بين الشباب وشرف ان امثل الاتحاد والقي كلمته في المهرجان كي نبارك هذا الجهد الشبابي الجميل ،لم يكن لدينا علم بإقامة هذا المهرجان ،قبل شهر اتصل بي احد الشباب وطلب مساعدة الاتحاد لحجز قاعة الرباط ،قلت له بأن ابواب الاتحاد مفتوحة امامهم ،هم لديهم رأي ونحن نحترم هذا الرأي ،الثورة الشبابية ،هم يقولون انهم لم يتلقوا دعما من احد ولكن في الوقت نفسه هم فخورون لانهم اعتمدوا على انفسهم ،نحن معهم وهم اذا أرادوا دعمنا فنحن حاضرين «،و يضيف « اتحادنا يولي الشباب اهمية خاصة لدينا نادي الشعر الذي تأسس عام 2005 وهو للشباب ونقيم مهرجان جواهريون الخاص بالشباب فقط ،وخلال الدورة الحالية للاتحاد سهلنا قبول الشباب «.
اما الشاعر عارف الساعدي فتحدث عن المهرجان قائلا: طاقة العراق الشعرية بهؤلاء، نرى انفسنا بوجودهم ومن ثم غياب الحركات الشعرية في العراق منذ تسعينيات القرن الماضي ،باعتقادي ان المجاميع الخارجة من التنظيمات الرسمية ومن الاتحادات هي التي تنتج حركة ثقافية فعلية مؤثرة في الوسط الثقافي وتؤشر على وجود جيل شعري جديد لذلك واجب علينا متابعتهم وتأشير المهم منهم والكتابة عنهم ايضا ،جيل غير مأزوم لا علاقة له بالايدلوجية ،جيل منفتح على بعضه تتصالح الاشكال الشعرية متجاورة ،نجد قصيدة النثر والتفعيلة والعمودي في خانة واحدة «،ويضيف « قبل مدة كنت يائسا من وجود جيل شعري يمسك بزمام التحولات الشعرية ،كما تعرف ان العراق ولاد للأجيال الشعرية ودائما ما يمسك بريادة الحداثة الشعرية ولكن هذا الجيل وجدت فيه الكثير من الاندفاع والحيوية خصوصا هذه الاعمار بين (20 -30) عاما ،اعمار التحولات والبدايات والعمر الذي يكثف به جهودهم الشعرية ببناء مشهد شعري حقيقي».
دائرة الفنون الموسيقية التي استضافت المهرجان اسهمت من خلال فرقة موسيقية رافقت القراءات الشعرية من خلق جو احتفالي بهيج وعن هذه المبادرة تتحدث الزميلة الاعلامية تضامن عبد الحسين من قسم العلاقات في الدائرة قائلة: دائرتنا انتهجت انفتاحا على المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني ففتحت قاعاتها لأي فعالية فنية واستضافتنا اليوم لهذا المهرجان ومشاركتنا بفرقة موسيقية تابعة للدائرة يأتي في اطار هذا التوجه ،وهو توجه جديد للانفتاح على الآخرين لذلك اقمنا عدة فعاليات موسيقية شهدت حضورا جماهيريا لافتا وتفاعلا كبيرا من قبل الجمهور».