ترجمة أحمد عبد اللطيف
هذه حكاية رجل كان لديه ثلاثة أبناء، بنتان وولد، لكنه كان يظهر تفضيله لابنته الكبرى، وكان يناديها دائماً بـ»ملكة البيت»، فلا يجب أن تعمل ولا تفعل شيئاً، لا من أجله ولا من أجل أخويها الأصغر منها.
وذات يوم أحد، ذبح الرجل عنزة، وبعد أن علّقها، راح إلى القداس مع ابنيه الصغيرين، تاركاً ابنته الكبرى كحارسة للبيت.
حين عاد من القداس، وجد اللحم وقد أكله الكلاب، فسأل ابنته ماذا حدث، فحكت له أن بعض الكلاب قد جاءت وأكلت العنزة، ولأنه قد منعها من فعل أي شيء، لم تهاجم الكلاب وتركتها تأكل اللحم. لقد فعلت ذلك حتى تبرهن لأبيها أنه يجب أن يسمح لها بالقيام بالواجبات المنزلية.
غضب الرجل لما حدث، وشاط أكثر حين قالوا له إن القرية لا مكان فيها لشراء اللحم.
حين رأت البنت أباها غاضباً، فكرت:
- ماذا أقدم لأبي من طعام؟
حلت المعضلة بقطعة لحم من ساقها، وطبخت عليها. حين تذوقها الأب، راقت له، وطلب منها أن تقدم له نفس الطعام في المساء.
وفي اليوم التالي، ولعدم وجود لحم بالقرية، قطعت الصبية قطعة أخرى من ساقها الأخرى، وقدمتها لأبيها مطبوخة.
وسأل الرجل الفتاة أين وجدت هذه اللحمة الشهية، فأجابته بأنها قطعتها من ساقيها، والآن لم يبق لديها لحم آخر.
حينئذ أخبرها بأنه سيذبح أحد ابنيه الصغيرين حتى يحصل على طعام.
فقالت الابنة الكبرى لأخويها، وكانت رقيقة القلب وتحبهما جداً، أن يرحلا، لأن أباهم يريد أن يذبحهما ليأكلهما، وأعطتهما خبزاً محمّصاً للطريق.
ركض الطفلان، وبعد سير طويل قابلا امرأة عجوزاً، فنصحتهما بألّا يشربا ماءً حتى يعبرا ثلاث بحيرات، لأنهما لو شربا من البحيرة الأولى سيتحولان إلى كلبين، ومن الثانية سيتحولان إلى خروفين، ومن الثالثة إلى عنزتين.
واصل الولد والبنت سيرهما، ووصلا إلى بحيرة بمياه شفافة تغوي بالشرب. ومع الحر والتعب،
«حين عاد من القداس، وجد اللحم وقد أكله الكلاب، فسأل ابنته ماذا حدث، فحكت له أن بعض الكلاب قد جاءت وأكلت العنزة، ولأنه قد منعها من فعل أي شيء، لم تهاجم الكلاب وتركتها تأكل اللحم» كان الولد يشعر بالظمأ. - يا أختي، فمي جاف، سأشرب من هذا الماء.
- كيف ستشرب من هذا الماء؟ أجابته البنت، هل تريد أن تتحول إلى كلب؟ هيا نمشي من هنا.
وسحبته من يده، وجرته وراءها.
بعد قليل، وصلا إلى البحيرة الثانية، وإن كان ماء الأولى شفافاً، فماء الثانية كان مرآة. وكان الولد يبكي. - يا أختي، أنا لا أحتمل؛ سأموت من الظمأ.
وبجهد عنيف ومُلِّح، بدون أن تستطيع الأخت القدرة عليه، هرب منها، ونزل الماء حتى بطنه، وشرع في الشرب.
وبمجرد أن ابتلت حنجرته بالماء الأول، تحوّل إلى خروف.
وأصاب الحزن البنت وواصلت طريقها وخلفها الخروف الصغير.
هي أيضاً كانت تشعر بالظمأ الشديد، لكنها لم ترغب في الشرب حتى تعبر البحيرات الثلاث.
وبعد أن سارا عدة ساعات، قابلا سيدة أخرى عجوزاً، فسألت الطفلة إلى أين تذهب. وحكت الطفلة، بدموع في عينيها، لها كل ما جرى، وقالت لها إنها لا تعرف إلى أين تذهب.
حينئذ قالت لها العجوزة أن يبقيا معها، وإنه لن ينقصهما شيء. وافقت الطفلة، وهناك بقيت مع خروفها، وعملت في مساعدة العجوزة الطيبة في أعمال البيت.
ونمت الطفلة في جسدها وجمالها، وكان جمالها كبيراً إلى حد أن ذاعت شهرتها في كل مكان وبلغت آذان الملك الذي أراد أن يقنع نفسه بالواقع.
وذات يوم خرج الملك بصحبة رجال القصر، وتوجّه إلى بيت السيدة العجوز. في الدهليز المؤدي إلى الشارع، كانت إلينا (وهذا اسم الفتاة) جالسة على مقعد وبجانبها سلة خياطة، وهي تخيط بهمة. كانت شاردة جداً في عملها، فلم تشعر بمجيء الملك وحاشيته.
لم يفعل الملك إلا أن رآها، فوقع في غرامها وتاه، وطلب من العجوز أن يتزوجها، فقالت العجوز: - لو وافقت إلينا، ليس لدي مانع.
ووافقت إلينا، بشرط أن يوافق الملك على أن تحمل معها الخروف الصغير، وأن يعتنوا به أشد العناية، وقالت للملك إن الخروف كان أخاها، وحكت له كل ما جرى.
ومرت أشهر من السعادة على العريسين، وكانا يتبادلان الحب بقوة، غير أنه ذات يوم أعلنوا الحرب على الملك، واضطر للخروج على رأس جيشه.
وقبل أن يخرج، أوصى رئيس حرس القصر برعاية إلينا، وكلّفه بألا يسمح لأحد بالدخول إليها في أثناء غيابه. وكان الملك يعرف أن لزوجته عدوات كثيرات حاقدات عليها لحظّها، وكن يكرهنها حدّ الموت رغم أفعالها الطيبة، وكان يخشى أن تتألم بأي طريقة.
ذات يوم جاءت أربع سيدات أنيقات جداً إلى باب القصر، وطلبن من رئيس الحرس أن يقودهن لمقابلة الملكة لأن لديهن أخباراً شديدة الأهمية عن الملك. لكن رئيس الحرس اعتذر لهن بذريعة أنه غير مسموح لأحد بدخول القصر، لكن بما أنها أخبار هامة للملكة، فلا مانع من أن يتركن له الرسالة التي يوددن إرسالها. قلن حسناً، وبما أنه غير مسموح لهن الدخول، وطلبن منه أن يترجى الملكة بأسمائهن أن تخرج لهن لدقيقة واحدة لتسمع إليهن، وبهذه الطريقة لن يعصى أحد أوامر الملك.
حمل رئيس الحرس الرسالة للملكة، ولأن إلينا كانت شديدة الطيبة، لم ترغب في كسر خاطر السيدات، فخرجت إلى الدهليز لتستمع إليهن. فقالت النسوة إن ما يوددن حكيه طويل وإنهن
«في الطريق بدأن يسردن على إلينا حكاية مشوقة للغاية، وهكذا ابتعدن عن القصر بدون أن تشعر، وخرجن في النهاية من المدينة، سيراً على ضفاف البحر. وصعدن، وحين غدون في قمة ربوة، دفعن الملكة فاختفت عن العيون» يحتجن إليها بمفردها؛ ثم لماذا لا تصحبهن إلى الشاطئ وهناك يتحدثن بلا رقيب.
وقبلت الملكة، وخرجن جميعاً ومن ورائهن الخروف الذي لم يكن يترك أخته.
في الطريق بدأن يسردن على إلينا حكاية مشوقة للغاية، وهكذا ابتعدن عن القصر بدون أن تشعر، وخرجن في النهاية من المدينة، سيراً على ضفاف البحر.
وصعدن، وحين غدون في قمة ربوة، دفعن الملكة فاختفت عن العيون.
لكن في تلك اللحظة، كان ثمة حوت عند سفح الربوة، وكان مفتوح الفم يتنفس الهواء، فوقعت الملكة داخل فمه دون أن يصيبها أي سوء. فابتلع الحوت الملكة وغاب في عمق المحيط.
استطاع الخروف وحده أن يرى ما حدث حين دفعن الملكة، واعتقد أنها غرقت، فعاد إلى القصر غارقاً في حزنه.
وحين رأى رئيس الحرس أن الملكة لم تعد، وقلقاً من أن يكون قد وقع لها مكروه، جهّز نفسه وخرج للبحث عنها برفقة مجموعة من الحراس، وحين عاد الملك، ظافراً في الحرب إلى حد أن رفع أعداؤه الراية البيضاء، تقدم قواته ليبلّغ زوجته بنفسه بالخبر السعيد. سأل عنها رئيس الحرس، فلم يجد هذا مفراً من أن يحكي له ما جرى حتى خروج الملكة، فلا شيء آخر يعرفه غير عودة الخروف وحيداً وحزيناً.
حينئذ أمر الملك بإحضار الخروف. وحين وصل، ربت عليه وطلب منه أن يقودهم إلى حيث راحت أخته ويمأمئ.
فقادهم الخروف إلى الربوة وتوقّف هناك، ومأمأ.
لكن ذلك لم يكن كافياً، إذ لم يكن في محيطهم أي أثر للملكة. حينئذ سحب الملك سيفه ومرّره على رقبة الحيوان، فأزال جزءاً من فروته، كأنه سيقتله، فتكلم المسكين من الخوف وقال: - يا أختي يا إلينا، ها هم سيقتلونني.
وردت عليه إلينا: - أنا في بطن الحوت، كيف يمكن أن أحررك؟
حينئذ أمر الملك بتجفيف البحر، وصيد الحوت، وأمر بفتح بطنه وأخرج الملكة منه، حرة وسليمة، وجميلة كما كانت من قبل.
ولكي تضحك الدنيا أكثر، انفك سحر أخي الملكة في اللحظة نفسها ، وظهر وقد غدا شاباً جميلاً ومبتهجاً.
وحكت الملكة للملك ما حدث، فأمر الملك في الحال بالبحث عن النسوة الأربع. وحين عثروا عليهن، ربطوا كل واحدة منهن في ذيل بغلة، وضربوا البغلة كي تركض بأقصى سرعة، فتمزقت النسوة.
وعاش الملك والملكة لسنوات طويلة، في سعادة غامرة، وأنجبا البنات والبنين.
*ضفة ثانية