التكنيك السينارستي السيري في(قسطرة)

علوان السلمان

يذهب جورج ماي الى ان السيرة التي يتفاعل فيها الراوي السارد والراوي العليم قد استثمرت اساليب السرد التي اشاعتها الرواية التي تعتمد اقتناص الاحداث وبلورتها وتحويرها بكينونة لغوية تحيلها من افقها الواقعي الى الممتع الجمالي في اطار بنية سردية تعتمد ضمير المتكلم، فضلا عن انها تشكل توثيقا للنص الزمكاني من جهة وتحقيق قيم فكرية تتجاوز مجالي البوح والاعتراف بتحويلها الممارسة التدوينية الى وعي مضاف لإدراك الوجود بمكوناته وموجوداته الملتفة حول المنتج (السارد) انها نوع ادبي سردي يكتمل بناؤه في حاضنة التخييل، والتي ترجع اصولها الى الفيلسوف جان جاك روسو في (اعترافاته)..فانتقالها الى العربية على يد احمد فارس الشدياق في(الساق على الساق) وطه حسين في (الايام) وميخائيل نعيمة في(سبعون)..والتي تحقق قيمة تفسيرية تتحدث عن محطات الذات وزمكانيتها عبر طاقة ابداعية خالقة لمبناها النصي بلغة تشكل(مسكن الكينونة) على حد تعبير هادجر.
وباستدعاء النص السردي السيري(قسطرة) الذي نسجت عوالمه النصية المنبثقة من ذات مأزومة نتيجة ما يحيطها من واقع اغترابي انحصر في شخصيتي (نجاة)، (امرأة مهووسة بامتلاك خطط خبيثة مات كل شيء بداخلها..) ص18، وشخصية (محمود التمساح) الذي كان (ضمير متعفن داخل جسد ارتوى النجاسات) ص51، انامل منتجها ناظم جليل الموسوي واسهمت دار كيوان للطباعة والنشر في نشرها وانتشارها/2019.كونها ترتكز على اسلوب فني سيري يعتمد التحاور بين (الذات والموضوع) المقترنين جدليا من اجل تنمية وتحريك الفعل الدرامي، وهذا ما اضمرته عتبات المشاهد الثمانية عشر بعنواناتها المرتبطة والعتبة الاساس والايقونة السيميائية الكاشفة عن المتن النصي بوحدته الموضوعية، المنسوج من وهج الذاكرة والمتخيل بتقنية مازجة ما بين المكانية الواقعية بشقيها (المفتوح والمغلق) وهي تستند الى شعرية السرد (مشهديا وجماليا وحسيا وانزياحيا..)..
(من عشرين عاما انا على هذا الطريق انقل الحالات الحرجة جدا.
ـ هل حالة امي حرجة؟
ـ غبي، أمك في آخر أنفاسها.
قفزت من مقعدي حركتها وفحصت نبضها، قبلتها فسقطت دموعي على خدها وأنا احتضنها، صرخ بي وطلب مني العودة السريعة الى مقعدي.
ـ عاشت ايدج نجاة ابرتج بوريد العجوز نومتها بسابع نومه، نوم العوافي يا أم…. قل ما اسمك ياولد؟ تعمدت ان لا أعطيه أسمي كي لا يناديني كل دقيقة..لا احب ان يلفظ اسمي على لسانه الموبوء بذاءة..
مغامرة في قلب الموت وهذا الوغد يقطر حقدا وسخافة لا يحب سوى نفسه، ان يصرعك الالم ويأخذك لآخر المتاهات يكون الامل في الحياة، أبي كان ينصحني ويلصق بأذني كلماته شعرت بها الآن، يوم كنا نجلس وحدنا حول صوبة مدفئة علاء الدين، وقد وضع عليها قدر الشلغم، يعطيني النصيحة بإتقان ويخرج الكلمة من فمه ببطء كأنه يتقصد أن يخرجها هكذا حتى لا انساها، لا ترافق السفيه ولا تنظر بعين فاقد الضمير ولا تستمع لحديث الكذاب) ص50 ـ ص51.
فالمنتج (السارد) يعبر عن ذاتيته بتعابيره عن ازمة الانسان، كونه يمتلك حساسية قلقة باقتناص اللحظة عبر لغة موحية تستدعي المستهلك(المتلقي) لاستنطاق الفاظها والكشف عما خلف مشاهدها من معان ودلالات..كون النص(يعالج الحياة التي تبقى سرا) على حد تعبير فرانك اوكونور، باستثمار بنية سردية لا تستوي على قرار بل تنحو مناحي متعددة، اذ تنزاح عن مسارات السرد الخطي بتجاوز المألوف مع اقتضاب المعنى..وتوظيف الجملة الفعلية الدالة على الحركية والتي تسهم في تسريع السرد القائم على متواليات تخترق نظام الحكي وتفجره من الداخل بلغة تسهم في توسيع الرؤية الحياتية وهي تفعل فعلها ضمن انزياحاتها المتأرجحة ما بين الشعرية والنثرية..فضلا عن اعتماد السارد تقانتي الاستباق والاسترجاع من جهة والاستذكار والتذكر من جهة اخرى. لخلق نص ينبثق من عمق الذات المقترن بالموضوع المأزوم بنسج حكائي على امتداد المكان الصامت، الحاضنة للفعل الانساني والبنية الاساس التي تنمو في اجوائها الاحداث من الخارج، وفي فضاءاته الداخلية تتم عملية التخييل وتحديد مسار الشخوص التي تأخذ حيزها فيكشف عن انتمائها وتكوينها الفكري والنفسي، اضافة الى ان السارد لا يكتفي بنقل المشاهد المتحركة داخل فضاءات النص بل يتجاوز ذلك صوب الجزئيات للكشف عن عمق الرؤية والقدرة الفنية في تحقيق الوظيفة التفسيرية، الدلالية للسلوك ومن ثم الكشف عن الابعاد النفسية والاجتماعية للشخصية.
فالسارد (المنتج) يمازج ما بين السرد التاريخي والفني من خلال عملية التذكر لإضفاء شرعية التحرك والتناغم والتصاعد الحدثي الذي يمنح الفعل السردي فضاء مضافا وخلق حالة من التأثير الجمالي نتيجة تكنيك اللقطات المشهدية ذات التقطيع السينارستي المستفز للذاكرة، ليقدم نصا مكتظا بعناصره الفنية والاسلوبية التي ترقى او تقترب الى مستوى رواية تيار الوعي (تداخل الازمنة والتداعي والخيال مع اعتماد العتبات النصية) عبر نسيج سردي تسير عملياته التوليدية بصور محكمة ولغة حية مفعمة بالإيحاءات والمشاهد والاصوات المتعددة، فضلا عن اعتماده الحوار بشقيه الذاتي (المنولوجي) الذي هو حوار النفس والذات.. والحوار الموضوعي، حوار الشخوص وغياب السارد، للكشف عن مكنونات الذات وما يعتمل في وجدانها، اضافة الى مواكبة المنتج (السارد) الذاكرة الاولى بشعبيتها فيمازج ما بين اللغة واللهجة الشعبية العراقية (عايل الأسمر عايل صبح ضعنكم شايل) ص27 والعربية (عمري مذقت حنان بحياتي زي حنانك ولا حبيت يحبيبي حياتي الا عشانك..) ص171اضافة الى اعتماده اسلوب التضمين (يا عالما يختنق الانسان فيه في الزفير مرة/ومرتين في الشهيق/ مدينة يمنع فيها الشعر/أو يحتكر الكلام كالشعير/ يا حبيبتي) ص148ـ ص149.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة